يتحول استخدام تقنية البلوك تشين في قطاع العقارات بسرعة من مجرد فكرة نظرية إلى ثورة حقيقية تغير شكل السوق. ففي مختلف أنحاء العالم، بدأت مدن رائدة في إظهار كيف يمكن للبلوك تشين وترميز العقارات أن يعيدا تشكيل طرق الاستثمار والملكية وإتمام الصفقات العقارية. يسلّط هذا المقال الضوء على نماذج عالمية بارزة في ترميز العقارات، مع التركيز على دبي ونيويورك كنموذجين رائدين يثبتان جدوى هذه التقنية على أرض الواقع.
دبي: مركز عالمي رائد لابتكار وترميز العقارات باستخدام البلوك تشين
تبرز دبي كإحدى أكثر المدن تقدمًا في ثورة ترميز العقارات، بدعم قوي من الحكومة ورؤية واضحة للتحول الرقمي. فقد قادت دائرة الأراضي والأملاك في دبي جهود دمج تقنية البلوك تشين في السجلات العقارية ومنصات الاستثمار، لتصبح أول جهة تسجيل عقاري في الشرق الأوسط تعتمد ترميز العقارات القائم على البلوك تشين.
نمو قوي للسوق واستعداد حقيقي للترميز
يشهد سوق العقارات في دبي نموًا قياسيًا يؤكد جاهزيته لاعتماد الابتكار القائم على البلوكشين. ففي مايو 2025 فقط، سجل السوق مبيعات عقارية بقيمة 66.8 مليار درهم (حوالي 18.2 مليار دولار) عبر نحو 18,700 صفقة، بزيادة سنوية قدرها 44%، مدفوعة بإقبال المستثمرين المحليين والدوليين.
ورغم هذا الزخم، لا تزال هناك تحديات أمام المستثمرين العالميين، مثل التعقيدات القانونية، وصعوبات إدارة الأموال، وضعف السيولة عند الخروج من الاستثمار. وهنا يأتي دور ترميز العقارات، الذي يتيح الملكية الجزئية عبر منصات رقمية، مما يسهل مشاركة المستثمرين من مختلف أنحاء العالم.
منصة دائرة الأراضي والأملاك لترميز العقارات
في مايو 2025، أطلقت دائرة الأراضي والأملاك منصة Prypco Mint بالتعاون مع شركة Prypco وشركة Ctrl Alt Solutions، باستخدام شبكة XRP Ledger، لتقديم خدمة ترميز عقاري آمنة وشفافة ومدعومة حكوميًا.
وتتميّز هذه المنصة بربط بيانات البلوكشين مباشرة بالسجل العقاري الرسمي في دبي، مما يحافظ على القوة القانونية للملكية مع إتاحة الملكية الرقمية الجزئية.
يمكن للمستثمرين من حاملي الهوية الإماراتية الاستثمار في العقارات المرمّزة بدءًا من 2,000 درهم فقط (حوالي 540 دولارًا)، وهو ما يفتح الباب أمام شريحة جديدة من المستثمرين. وتتوقع الحكومة أن تمثل معاملات العقارات المرمزة نحو 7% من سوق دبي العقاري بحلول 2033، بقيمة تقترب من 60 مليار درهم.
المزايا الرئيسية وتأثير السوق
يوفر مشروع ترميز العقارات في دبي عدة مزايا، من أبرزها:
الملكية الجزئية: إمكانية الاستثمار حسب الميزانية المتاحة
زيادة السيولة: سهولة البيع والشراء مقارنة بالعقارات التقليدية
الشفافية والأمان: سجل غير قابل للتلاعب يقلل مخاطر الاحتيال
الكفاءة التشغيلية: العقود الذكية تقلل التكاليف والوقت
جاذبية للمستثمرين العالميين: مع خطط للتوسع خارج الإمارات
وقد لاقى أول مشروع عقاري مُرمّز إقبالًا كبيرًا، حيث تم الاكتتاب بالكامل في شقة بمنطقة Business Bay بقيمة 2.4 مليون درهم خلال 24 ساعة فقط، بمشاركة 224 مستثمرًا من أكثر من 40 جنسية، كان نحو 70% منهم مستثمرين عقاريين لأول مرة.
الدعم التنظيمي والمؤسسي
يحظى هذا التوجه بدعم تنظيمي قوي من جهات مثل هيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA)، والمصرف المركزي الإماراتي، ومؤسسة دبي للمستقبل، لضمان الامتثال وحماية المستثمرين.
كما توفر الحكومة بيئة تجريبية (Sandbox) لاختبار حلول ترميز العقارات، مما يعزز الثقة لدى المطورين والمستثمرين ومديري الأصول.
نظرة مستقبلية
تسعى دبي إلى أن تصبح العاصمة العالمية لتطبيقات البلوكشين في العقارات. ومع توقع وصول حجم سوق العقارات المرمّزة إلى ما بين 16 و19.4 مليار دولار بحلول 2033، تقدم دبي نموذجًا واضحًا لكيف يمكن للتقنية أن تفتح السوق أمام الجميع.
نيويورك: ربط العقارات التقليدية بابتكار البلوكشين
تُعد نيويورك واحدة من أهم أسواق العقارات والمال في العالم، وقد بدأت بدورها في اعتماد ترميز العقارات، ولكن بأسلوب مختلف عن دبي. فبينما تقود الحكومة المشهد في دبي، تعتمد نيويورك على ابتكار القطاع الخاص والالتزام الصارم بالقوانين الأمريكية.
قامت شركات مثل NYREF و SolidBlock بتطبيق نماذج لترميز عقارات سكنية وتجارية في مانهاتن.
أرقام ونماذج من نيويورك
مشاريع مانهاتن المُرمّزة: في 2024، تم ترميز عقار بقيمة 18 مليون دولار وتقسيمه إلى 18 ألف رمز بقيمة 1,000 دولار لكل رمز.
تنوع المستثمرين: شمل مستثمرين أفراد، مكاتب عائلية، ومؤسسات.
عوائد استثمارية: تراوحت بين 6% و16% سنويًا.
سيولة أعلى: إمكانية تداول الرموز في أسواق ثانوية.
البيئة التنظيمية
تُصنّف الرموز العقارية في نيويورك كأوراق مالية تخضع لرقابة هيئة الأوراق المالية الأمريكية (SEC)، مما يوفر حماية قانونية ويشجع المؤسسات الكبرى على الدخول في هذا المجال.
الولايات المتحدة: نحو اقتصاد عقاري رقمي
يمتد التوجه نحو ترميز العقارات في جميع أنحاء الولايات المتحدة. فقد شهد مشروع St. Regis Aspen زيادة في قيمة الأسهم المرمّزة بأكثر من ثلاثة أضعاف بين 2022 و2024.
قُدّر حجم سوق العقارات المرمّزة في الولايات المتحدة بنحو 120 مليار دولار في 2023، مع توقعات بوصوله إلى 3 تريليونات دولار بحلول 2030. كما تشير تقارير إلى أن نسبة كبيرة من كبار المستثمرين يخططون لتخصيص جزء من محافظهم للأصول المرمزة خلال السنوات المقبلة.
الخلاصة: من فكرة إلى ثورة سوقية
تُظهر تجربتا دبي ونيويورك أن ترميز العقارات لم يعد فكرة مستقبلية، بل أداة حقيقية تُحدث تحولًا جذريًا في سوق العقارات العالمي. ومع تطور القوانين، ونضج التكنولوجيا، وزيادة وعي المستثمرين، من المتوقع أن يصبح ترميز العقارات معيارًا عالميًا جديدًا.
هذه الثورة تفتح الباب أمام مستثمرين جدد، وتزيد السيولة، وتقلل التعقيدات، وتدفع نحو سوق عقاري أكثر عدالة وشفافية ثورة يقودها البلوكشين من دبي إلى نيويورك وما بعدها.