كتبت: إيمان إبراهيم
ألقى نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022 وما نجم عنها من تعطل سلاسل التوريد إلى المزيد من الضغوط على أسعار المدخلات على مستوى العالم، مما دفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية، ولم تكن مصر بمنأى عن تلك الأحداث.
فقد شهدت أسعار مواد البناء كغيرها من السلع التي تعتمد في مُدخلاتها على الاستيراد إلى تفاقم، زادت حدته مع بداية عام 2023، إذ بات القطاع العقاري المصري يئن تحت وطأة أسعار المواد الخام التي قفزت بأكثر من الضعف في فترة عام، لتُلقي على كاهل المطورين المزيد من الأعباء، وتثير مخاوف عزوف المستثمرين وركود النشاط الاستراتيجي الذي يأتي على قائمة أولويات الدولة الاستثمارية.
يشار إلى إن الطاقة الإنتاجية المتاحة من حديد التسليح في مصر تبلغ 15 مليون طن، فيما يبلغ الاستهلاك الفعلي 7.5 مليون طن، وبلغ حجم التصدير من الحديد المصري 1.412 مليار دولار خلال عام 2022 بنسبة انخفاض 21%، بحسب تقرير صادر عن المجلس التصديري لمواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية.
لذا، استطلعت «إنفستجيت» آراء بعض خبراء العقار؛ لمناقشة أسباب الأزمة، والاطلاع على تصورات البعض لوضع حلول ومقترحات قد تُسهم في تلافي تلك التداعيات السلبية؛ لمواصلة القطاع ريادته ونموه.
تفاقم الأسعار أربك السوق العقاري
قال أسامة سعد رجب، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري، إن المطورين في الوقت الحالي لا يستطيعون تسعير الوحدات؛ بسبب اضطراب أسعار مواد البناء الذي يشهده السوق في الفترة الأخيرة.
وأضاف رجب أن الحديد الذي يُعد مدخلًا أساسيًا في صناعة العقار بما يمثل نحو الثلث من الخرسانة ترتفع أسعاره يوميًا، ولم يقتصر الأمر على الحديد وحده ولكن طالت الارتفاعات كافة الخامات التي تدخل في الصناعة، ولكن التأثير ظهر في الحديد جليا ًباعتباره الأعلى تكلفة ووصل سعره إلى 40,000 جنيه للطن وهو سعر غير حقيقي، كما أن الأزمة لا تقتصر على ارتفاع الأسعار فقط ولكن واجه القطاع شُحًا في توافرها ببعض الفترات.
وبين رجب: “القطاع العقاري يمر بأزمة في الفترة الحالية تتمثل في الصعود المستمر للتكلفة، بما يفقد المطورون القدرة على تسعير الوحدات”، منوهًا بأن ذلك قد يدفع القطاع إلى بعض الركود، فلن يقبل المطور بيع الوحدات متحملاً خسائر التكلفة الناجمة عن تفارت وصعود الأسعار وحده، لذا قد ترتفع أسعار الوحدات على العملاء.
بدوره، أوضح المهندس فتح الله فوزي، نائب رئيس مجلس إدارة «جمعية رجال الأعمال المصريين»، ورئيس لجنة التطوير العقاري والمقاولات، أن ارتفاع أسعار مواد البناء ومعدلات التضخم أثر على كل المنتجات العقارية، إذ زادت التكلفة بنحو الضعف منذ ديسمبر الماضي، وسينعكس ذلك على الوحدات بزيادة تدريجية قد تقل حدتها وتستقر الأسعار مع حلول نهاية العام الحالي.
ولفت فوزي إلى أن الشركات العقارية لديها أزمة من توافر منتجات البناء كالحديد، وتتمثل تلك الأزمة في بيع الشركات جزء من وحداتها قبل نحو عامين، لذا فإن الارتفاع الملحوظ في سعر مواد الخام يُشكل تحديدًا كبيرًا على المطور العقاري، فهو تعاقد بتكلفة للمتر قد تكون تضاعفت.
وأضاف: “لا نستطيع الجزم بوجود ركود محتمل في السوق العقاري بالفترة المقبلة؛ لاستمرار وجود طلب على المنتجات العقارية نتيجة للزيادة السكانية والحاجة للمسكن عند الجميع، ولكن قد تحدث مشكلات في مواعيد التسليم، وسيطال الأمر قدرة الشركات على الوفاء بكافة مشروعاتها”.
من جانبه، ذكر أحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء بالغرفة التجارية بالقاهرة، إن “أزمة ارتفاع أسعار مواد البناء بدأت منذ بداية عام 2023 وحدث بها انفراجة عن تحرير بعض المواد المستوردة، إلا أن هناك حالة من الارتباك في السوق بصفة عامة على المطورين والعقارات ومواد البناء”.
وأكد الزيني وجود ارتفاعات غير مبررة في السوق تصل إلى أكثر من 100% في بعض مواد البناء على أساس سنوي، وذلك كالحديد الذي كان يبلغ سعره نحو 15,000 جنيه للطن في العام السابق بلغ الآن نحو 40,000 جنيه للطن في بعض المصانع، والأسمنت الذي وصل إلى 2,000 جنيه للطن، مقارنة بـ 800 جنيه للطن في الفترة المناظرة من 2022.
وسياق متصل، صرح محمود العدل، رئيس شركة «إم بي جي» للتطوير العقاري، بأن الأزمة تتنوع بين ارتفاع في الأسعار، وشُح في بعض الخامات، مبينًا أن الحديد والأسمنت يشكلان نحو 60 إلى 65% من صناعة العقار، لذا فإن تضاعف أسعارهما بنحو 150% ستُلقي بظلالها على الصناعة ككل، في وقت قد لا تحتمل الشريحة الأكبر من المستهلكين تلك الأسعار، بما قد يدفع المستثمرين للعزوف عن اقتناء العقار الذي يُشكل احتياجًا للغالبية في المجتمع.
وأشار العدل إلى أن الضغوط التشغيلية ارتفعت بدورها على شركات التطوير العقاري؛ نظرًا لتعاقدهم مُسبقًا على وحدات قبل نحو عامين كان تكلفة المتر 10,000 جنيه، ولكنه جاوز الـ 12,000 جنيه في الوقت الحالي.
مقترحات لتلافي التداعيات
وأوضح رجب أن تلك الأزمة بحاجة إلى تكاتف جهود العديد من الجهات من الدولة والقطاع الخاص، والقيام برقابة أكبر على أسعار مواد البناء؛ لضمان تحرك القطاع بشكل سليم الذي تأثرت مبيعاته بسبب الأزمة، فنسبة كبيرة من وحداته لم يتم تسعيرها.
وعن دور غرفة التطوير العقاري في التصدي لتلك الأزمة لحماية صغار المطورين، كشف رجب أن الغرفة تعقد جلسات مغلقة بشكل مستمر في الفترة الحالية؛ للوقوف على مقترحات ستحدث انفراجة وتقديمها للدولة للمساعدة في العبور من تلك الأزمة وحماية كيانات الصناعة، مبينًا أن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، وافق على بعض المقترحات في ذلك الخصوص كتأجيل فوائد القروض، ولكن الأزمة بحاجة لتضافر المزيد من الجهود والقرارات.
وقال رجب: “غرفة التطوير العقاري لديها مقترح في نشاط التمويل العقاري، تحت عنوان “العقار يضمن نفسه” ففي حال فشل المشتري في سداد قيمته يُسدد المطور باقي التكلفة إلى البنك ويُعيد طرح الوحدة من جديد في السوق، بما يعجل في رفع الملاءة المالية للأفراد”، متابعًا: “أعتقد أن رئيس مجلس الوزراء متفهم للمقترح الجديد ولكن الأمر الآن لدى محافظ البنك المركزي بتمرير القرار لدى البنوك لتنفيذ الخطة المتفق عليها”.
وأوضح رجب أن الدولة لم تُقصر في كافة الأمور التي تحدث بالقطاع، بسبب قناعتها بأنه قطاع استراتيجي، وإذ طاله الركود سيضغط على الاقتصاد بشكل عام وتقلل دورته؛ لقوته وكبر كثافته العمالية التي تشكل نحو 15 إلى 20%.
وفي سياق متصل، اقترح فوزي لحل تلك الأزمة، التي تُعد الأكبر تأثيرًا على السوق العقاري، زيادة مدة المشروعات، وتأجيل أقساط قروض المطورين.
في حين قال الزيني إن الأزمة تحتاج إلى تدخل الدولة والأجهزة الرقابية لضبط الأسعار بين مصانع مواد البناء المختلفة ومعرفة حجم إنتاجها، وحل مشكلاتها حال وجودها؛ للوقوف على أسباب تباين الأسعار والجودة، خاصة مع وجود سياسة الإغراق المقرر انتهائها في شهر مايو المقبل، ولجوء كبرى المصانع لتصدير الخام جلبًا للدولار.
وطالب العدل الدولة بضرورة التكاتف لتخفيض أسعار تلك الخامات بشتى الطرق تحجيمًا لتداعياتها، التي طالت نحو 90% من شركات قطاع التطوير العقاري، كما دعا الدولة إلى إقرار تشريع يُتيح للمطورين برفع أسعار الوحدات التي سبق التعاقد عليها ولم تُسلم إلى المستهلكين بنحو 2,000 جنيه للمتر حتى لا يتحمل المطور كامل التكلفة، أو تقليل نسبة الجاهزية عند تسليم الوحدة.
علاوةً على ذلك، فقد دعا العدل إلى تشكيل لجنة من كبار رجال الصناعة والدولة لمحاولة مساعدة صغار المطورين الذين تضرروا من تلك الأزمة حتى لا يتعثر أحدهم، وشدد على ضرورة تحجيم رفع الأراضي عند التخصيص لمحاولة تشجيع المطور وتخفيف العبء؛ دعمًا لاستمرار النشاط، إلى جانب تأجيل الضرائب وتسريع مشروعات البنية التحتية لخلق مُناخ استثماري جاذب.
وختامًا، أكد خبراء العقار على أن أزمة اضطراب أسعار مواد البناء ذات التأثير الأكبر على القطاع العقاري في الوقت الحالي، وشددوا على ضرورة التكاتف بين رجال الصناعة من القطاع العام والخاص؛ تكثيفًا للجهود لوضع آليات سريعة للحفاظ على استمرارية نمو النشاط العقاري.