قد لا تتمتع النساء العازبات بنفس القوة الشرائية مقارنة بنظرائهن من الرجال، ولكن يبدو أن ذلك لا يعيقهن عن تحقيق حلمهن في امتلاك منزلٍ خاصٍ بهم. ولا يقتصر هذا الاتجاه المتزايد على السيدات اللائي تخطين الثلاثين عامًا فقط، اللائي يشترن بيوتهن بمفردهن، ولكنه يشمل أيضا باقي الشرائح من النساء مثل المطلقات، أو المنفصلات من فئات عمرية مختلفة.
وعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، تشير دراسة أجرتها “زيلو” لعام 2018، إلى أن النساء العازبات يمكنهن تحمل شراء 39 % من المنازل في السوق، ولكن التقرير الذي أصدرته الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين عام 2018، يشير إلى أن النساء يتفوقن على الذكور من حيث شراء المنازل. وتؤكد الدراسة إن الإناث العازبات يشكلن جزءً كبيرًا من المشهد العقاري في الولايات المتحدة، حيث وصلت النسبة إلى ما يقرب من خمس أو 18 % من جميع مشتري المنازل في عام 2018، كما يمثلون ثاني أكبر مجموعة مشتريات منزلية وراء الأزواج المتزوجين.
وعلى الرغم من ذلك، إن الرجال العازبين لديهم استعدادًا أقل للاستقرار في عقار جديد، حيث حققوا 7 % فقط من مشتريات المنازل في نفس العام، على الرغم من حصولهم على متوسط دخل أعلى من نظرائهم الإناث، بحوالي 69.600 دولار سنويًا.
كل هذه المؤشرات تعد كافية لكي تسلط “إنفستجيت” الضوء على دراسة هل هناك بالفعل المزيد من الإناث في مصر يتسوقن لشراء منازل جديدة أيضًا مثل الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد إصدار أحدث البيانات التابع للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، الذي يشير إلى أن ما يقرب من 198.000 حالة طلاق حدثت خلال عام 2017، بزيادة قدرها 3.2% عن عام 2016.
ولقد قامت “إنفستجيت” بإجراء استطلاعات رأي عبر الإنترنت، ومقابلات فردية، بالإضافة إلى الدراسة الدقيقة في دراسات الحالة المتعددة، وذلك من أجل تقديم تحليلًا شاملًا لديناميكيات العازبات في سوق العقارات في مصر، بما يشمل سلوكهن واتجاهاتهن في السوق.
ما الذي تبحث عنه المرأة العازبة في مصر؟
بالنسبة للمبتدئين، ومن أجل دراسة ديناميكيات النساء العازبات بشكل صحيح في سوق العقارات المصري، أجرت “إنفستجيت” دراسة استقصائية عبر الإنترنت، شملت 15 إمراة عازبة، وسبعة مطلقات، وست سيدات غير متزوجات، وسيدتان منفصلتان تعيشان في القاهرة بمتوسط دخل شهري 14.200 جنيه. إن الجزء الأكبر من المجيبين على استطلاع الرأي، أو ما يقرب من 46 % منهم، تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا، في حين أن 28 % تتراوح أعمارهم بين 25 و 34 عامًا، و 12 % في المتوسط بين 55-64 عامًا.
ويشير الاستطلاع، إلى أن 45.5 % من هؤلاء الإناث اختارن وحدة سكنية من خلال سوق إعادة البيع (المستعملة)، بينما استقر 27.3 % في السوق الأولية للوحدات، حيث تم اختيار منازلهن في القاهرة الجديدة ومدينة نصر بشكل أساسي، بينما قرر 9 % فقط من المشاركين في الاستطلاع استئجار الوحدات في نفس المناطق كذلك.
-سوق إعادة البيع يفوز
لم يكن المجيبات على هذا الاستبيان فقط هن الذين اعتبروا سوق إعادة البيع هو التفضيل الأمثل بالنسبة لهن. حيث أظهر استطلاع الرأي الذي أجرته “إنفستجيت” في السوق المفضلة للنساء العازبات أن إعادة البيع هي الأكثر اختيارًا من قبل هذه الفئة، حيث حصلت على 42 % من إجمالي الأصوات، في حين كانت الأسواق الأخرى مثل الأولية والتأجير أقل تفضيلًا بنسبة 32 % و 26 % على التوالي.
– ما الذي يدفع النساء العازبات إلى اختيار سوق إعادة البيع؟
عندما سئل المشاركات عن هذه المسألة، كانت هناك ردود متباينة، لا سيما: حجم وحدة أكبر، الموقع المفضل، وقت انتظار أقصر قبل تشغيل المبنى، ومساحة أكبر للتفاوض على السعر أو شروط البيع.
وعلى الرغم من ذلك، كان الغرض الأهم الذي دفعهم إلى اختيار وحدات إعادة البيع هو “أنها أرخص بكثير من الوحدات السكنية في الأسواق الأولية”.
وبالنظر إلى هذه النتائج، أظهر تقرير نشرته الشركة العربية الأفريقية الدولية للأوراق المالية في يوليو 2018، انخفاضًا في أسعار سوق إعادة البيع المصرية بنسبة 30-50 %، مقارنة بالوحدات المماثلة المعروضة في السوق الأولية، مما يشير إلى أن أسعار العقارات في السوق الأولية مبالغ فيها. وعلى الرغم من ذلك، أشار المشاركات في الاستطلاع، واللائي فضلوا سوق إعادة البيع، إلى أن لديهن بعض الندم بشأن شراء وحدة من سوق إعادة البيع، ويرجع ذلك لاختيارهن موقع سكني ليس له قيمة استثمارية في المستقبل، وكذلك لا تنتظر أن تكون أكثر أمانًا من الناحية المالية قبل اتخاذ قرار الشراء النهائي.
-سوق العقارات الأساسي يحتل المرتبة الثانية
إن السيدات اللائي اختارن السوق الأولية، فإن شراء وحدة من سوق إعادة البيع كان خيارًا سيئًا بالنسبة لهن. هذا يرجع إلى أن حوالي 67 % من المشاركات في الاستفتاء اللائي اختارن عقارًا من السوق الأولية اشتروا وحداتهن السكنية من خلال أقساط، معتقدين أن ذلك كان قرارًا ذكيًا، مقارنًة بدخلهن الشهري وحالتهن الزوجية. وفي ذات الوقت، قام 33 % بشراء وحداتهن عبر قروض الرهن العقاري، وكشفوا أن طريقة الدفع هذه جعلت شراء العقارات أكثر جدوى.
ووفقًا لغالبية النساء اللائي شملهن الاستبيان، أو 70 % منهن، فإن شراء منزل خاص بهن يعد استثمارًا ذا قيمة يمكن الاعتماد عليه في المستقبل، بينما يعتقد 87.5 % من إجمالي المشاركات أن جميع النساء غير المتزوجات سيشترين منزلًا إذا استطاعن ذلك، معتقدين أن شراء عقار هو قرار نقدي بدلًا من استئجار واحد.
-سوق الإيجارات الأقل تفضيلًا
يعتقد جميع المجيبيات على الاستبيان أن الإيجار ليس خيارًا جيدًا، خاصةً في مصر، ولكن ما الذي يمنعهن بالتحديد من سوق الإيجارات؟ وفقًا لنتائج استطلاع “إنفستجيت” فإن هذا يرجع إلى عدة أسباب تختلف بين فكرة أن استئجار عقار لا يوفر الخدمات والتسهيلات التي تحتاجها النساء العازبات، بالإضافة إلى أن أسعار الإيجارات في السوق المصرية موسمية، وبالتالي، يعتبر شراء منزل أكثر أمانًا من إيجار منزل للمرأة العزباء.
في الوقت الحالي، يبدو أن سوق إعادة البيع هو التفضيل الأساسي لعدد أكبر من النساء غير المتزوجات في سوق العقارات المصري. لذلك ينصح حوالي 65 % من المشاركات اللائي شملهم الاستطلاع الإناث الأخريات غير المتزوجات بالسعي للحصول على وحدة سوق العقارات المستعملة، وتجنب تأجير وشراء العقارات من السوق الأولية، وأن يخترن المنازل في المناطق الموجودة بالفعل، نظرًا لأنهم “سيُعرضون للبيع بشكل طبيعي بسعر أقل”.
-مثالين من دراسات الحالة
يذكر أن ردود المشاركات اللائي شملهم الاستطلاع تشكل جزءً من عدد متزايد من الإناث غير المتزوجات اللائي يشكِّلن تدريجيًا تكوين الأسر المصرية، كما أنه يضيف إلى الاتجاه المتزايد لامتلاك المنازل من قبل النساء العازبات. ونذكر هنا قصص امرأتين عازبتين تعيشان بمفردهن:
قررت مروة جبر، المطلقة البالغة من العمر 45 عامًا، في مارس 2017، شراء منزلها الأول، وهي وحدة من السوق المستعملة، تبلغ مساحتها 265 متر مربع في مدينة نصر. وجاء ذلك بعد عشر سنوات من التنقل من مكان إلى آخر، أو الاستئجار أو الإقامة مع أقاربها، إلى جانب إدخار الأموال الخاصة بها. وبعد التجوال بين خمسة أماكن، قررت “جبر”، التي تكسب حاليًا متوسط دخل شهري قدره 30.000 جنيه، أن تكون صاحبة منزل خاص بها.
وقالت “جبر”: “بعد طلاقي، أصبحت في حاجة لشراء منزل جديد دائم. لدي ثلاثة أطفال، اثنان منهم ما زالوا يعيشون في المنزل. أنني أردت أن أجد مساحة يمكنني تخصيصها وجعلها ملاذ آمن، بالإضافة إلى امتلاكه كأصل أو استثمار مستقبلي يمكنني الاعتماد عليه”.
وأضافت “لقد نظرت إلى أهدافي طويلة الأجل، وأدركت أنني أريد شقة بمقدم مالي صغير لأنني أردت أن أضع المزيد من الأموال لأطفالي. واخترت وحدة في منطقة منخفضة الطلب مثل مدينة نصر بسعر معقول حيث اشتريت وحدتي السكنية بحوالي 800.000 جنيهًا”.
“إن إجمالي المبلغ الذي ستدفعه بالكامل سيختلف بناءً على المنطقة التي تقررها، ومن المهم أيضًا مراعاة تكاليف التشطيب والتأثيث والصيانة، إلى جانب قيمة الوحدة، عند شراء عقار جديد”.
وتابعت “نصيحتي لجميع النساء الساعيات للحصول على قرض عقاري هي “البحث عن المنازل التي لا تكلف أكثر من 2.5 ضعف الدخل السنوي، وذلك كوسيلة ذكية لسداد الديون بطريقة أسرع”.
والمثال الثاني هو رندة الطاهر، وهي في منتصف الثلاثينيات من عمرها، وتعمل كوكيل عقاري في القاهرة. وفي عام 2014، اشترت استوديو- حيث تعيش حاليًا – في المعادي الجديدة، جنوب القاهرة، مقابل حوالي 290.000 جنيهًا، مع دفعة مقدمة قدرها 40.000 جنيهًا فقط.
وأكدت “الطاهر” أنه في ذلك الوقت، لكي أمتلك منزلًا خاصًا بي عندما كان عمري 28 عامًا، كان بمثابة تحدٍ لم يواجهه الكثير من نظرائي في هذه السن المبكرة، لقد كنت أعمل بشغف وأوفر المال منذ أن كان عمري 18 عامًا إلى الحد الذي دفعت فيه الدفعة الأولى بالكامل بعد أن قررت الخروج من منزل عائلتي والاستقرار في عقار مكتمل التشطيب”.
وتابعت “كنت أتفوق بشكل احترافي وكان راتبي كافيًا للإنفاق والإدخار في نفس الوقت، على الرغم من أنها كانت وحدة من السوق المستعملة، إلا أن المالك كان شخصًا لائقًا سمح لي بالدفع على أقساط، لمدة خمس سنوات، لقد اعتدت أن أدفع ما يقرب من 5000 جنيه مصري شهريًا، مرة أخرى عندما كان دخلي الشهري حوالي 15.000 جنيه، اعتمادًا على عدد المبيعات التي قمت بها، والتي كانت صفقة جيدة بالنسبة لي”.
السيدات العازبات يغيرن سوق شراء المنازل
منذ نصف قرن من الزمان، لم تتمكن النساء من إصدار بطاقة ائتمان، أو رهن عقاري، دون توقيع زوجها أو والدها، وكان من غير المفهوم أن الإناث لن يشترين بيوتهن في يوم ما فحسب، بل يذهبن إلى الجامعة أيضًا بمعدل أعلى من أن الرجال، وبالتالي، تحصل على رواتب عالية إلى حد كبير وتصبح أكثر استقلالًا من الناحية المالية. وفقًا لتقرير الفجوة بين الجنسين العالمي لعام 2018، يبلغ معدل الالتحاق بالتعليم العالي بين النساء المصريات 35 %، بينما يمثل الذكور 34 % فقط.
وبصفتها سمسار عقارات، قالت رندة الطاهر: “لم يعد من المعقول الآن أن نفترض أن الأنثى العازبة لا تستطيع شراء منزل لأنها تتطلع الآن بشكل متزايد إلى أن تصبح مالكة منزل وأن تبدأ في بناء حقوقها الملكية، وذلك بغض النظر عن حالتها الزوجية. أعرف الكثير من السيدات المطلقات والمنفصلات وغير المتزوجات اللائي لم يكن بوسعهن شراء منزل إلا من خلال دخلهن الشهري، إنها ببساطة مسألة إدراك لأموالك الخاصة”.
وختامًا، على الرغم من التحديات، فإن العديد من النساء غير المتزوجات يجدن العديد من الطرق للحصول على ملكية منزلًا خاصًا بهم. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية بهذا الشكل، ستصبح السيدات العازبات أكثر تمكينًا من الناحية الاقتصادية، وسيستمر عرض ملكية الإناث في إظهار المزيد من النمو في جميع المقاييس الرئيسية في المستقبل القريب.