يبدو أن سوق العقارات في القاهرة قد بدأ يتعافى في عام 2025، حيث ظهرت مؤشرات على عودة الثقة بعد فترة من الاضطرابات الاقتصادية. فقد ساهم تراجع معدلات التضخم واستقرار الجنيه المصري في إعادة بعض من الصلابة إلى هذا القطاع، وفقًا لتقرير شركة الاستشارات العقارية JLL للربع الأول من عام 2025. ومع أن النظرة العامة للسوق بدأت تتحسن، إلا أن قطاعات العقارات المختلفة السكنية، الإدارية، الفندقية، والتجزئة تستجيب كلٌّ منها بطريقة مختلفة لأنماط الطلب المتغيرة والعوامل الاقتصادية الكلية.

القطاع الإداري يعود إلى النمو
أحد أبرز النقاط في تقرير JLL هو تعافي سوق العقارات الإدارية في القاهرة. فقد شهد الربع الأول من 2025 إضافة حوالي 58 ألف متر مربع من المساحات الإدارية الجديدة، ما رفع إجمالي المعروض إلى ما يقرب من 1.9 مليون متر مربع. وفي عرض تقديمي سبق نشر التقرير، أشارت “عنود حداد”، رئيسة قسم التسويق في JLL لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى أن السوق قد يشهد زيادة كبيرة في المعروض بنهاية العام، بدعم من اكتمال مشاريع جديدة في القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية الجديدة.
وأشارت حداد إلى تزايد تفضيل الشركات متعددة الجنسيات والشركات الكبرى للمساحات الإدارية الحديثة والمرنة في مواقع مركزية، وهو اتجاه يعكس التحول بعد الجائحة نحو نماذج العمل الهجينة. كما يزداد الطلب على المكاتب الجاهزة والمجهزة مسبقًا، ما يعيد تشكيل السوق باتجاه المساحات عالية الجودة من الفئة أ.
تشهد الإيجارات بالفعل ضغوطًا تصاعدية؛ ففي الربع الأول من 2025، أضيفت 10.5 آلاف متر مربع إلى المساحات المتاحة، ومن المتوقع أن تُضاف 615.3 متر مربع إضافية قبل نهاية العام. هذا النقص في المعروض من المساحات عالية الجودة ساهم في خفض معدلات الشغور للمكاتب من الفئة أ من 10.9% إلى 8.6%. بالتوازي، ارتفعت أسعار إيجارات المكاتب الفاخرة بنسبة 4.7%، بينما سجلت المساحات الأساسية ارتفاعًا بنسبة 2.9% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

القطاع السكني يُثبت صموده رغم ضغوط التكاليف
لا يزال سوق العقارات السكنية في القاهرة يحافظ على قوته مدعومًا بطلب محلي قوي. وفقًا لـJLL، فإن أكثر من 95% من الصفقات العقارية يقودها المشترون المحليون وهو ما يعكس النمو السكاني المستمر وتزايد الطلب على السكن الجيد في المجتمعات العمرانية الجديدة. وتُعد مناطق القاهرة الجديدة، الشيخ زايد، والعاصمة الإدارية الجديدة من أبرز المناطق الساخنة، حيث ترتفع الأسعار سنويًا بين 15-20% نتيجة ارتفاع تكاليف البناء والطلب المتزايد.
يواصل المطورون تنفيذ المشاريع الجارية وإطلاق مراحل جديدة لتلبية هذا الطلب، خصوصًا من الطبقة المتوسطة والعليا الباحثة عن مجتمعات سكنية خدمية ومغلقة. وبحسب التقرير، فإن التركيز على تاون هاوس صغيرة وشقق جاهزة في مشاريع متعددة الاستخدامات سيمنح المطورين ميزة تنافسية في 2025، مع تحوّل السوق تدريجيًا نحو الكفاءة والسعر المقبول.
شهد الربع الأول تسليم حوالي 7.5 آلاف وحدة سكنية، ما رفع إجمالي المعروض في القاهرة إلى أكثر من 300 ألف وحدة. ولا تزال مناطق مثل 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة تشهد نموًا في أسعار الإيجار والبيع، مدفوعة بطلب قوي ومعروض محدود. ومن المتوقع طرح 28.5 ألف وحدة إضافية هذا العام، معظمها في شرق القاهرة الكبرى بالتوازي، فإن سلوك المستهلكين آخذ في التغير؛ فمع ارتفاع تكاليف المعيشة، يفضل العديد من المشترين الإيجار في أحياء راقية يصعب امتلاك وحدات فيها، في محاولة للحفاظ على نمط حياة معين دون تحمل عبء الشراء. هذا الاتجاه يدفع المزيد من الملاك لعرض وحداتهم للإيجار، ما يحول الاستثمارات العقارية إلى أصول مدرة للدخل ويزيد من تنوع المعروض أمام المستأجرين.

تعافي قطاع الضيافة بسبب انتعاش السياحة
بعد سنوات من عدم الاستقرار، بدأ قطاع الضيافة في مصر يستعيد نشاطه. بدعم من تعافي حركة السياحة — خصوصًا من أوروبا ودول الخليج ترتفع معدلات الإشغال في وجهات رئيسية مثل القاهرة، الغردقة، وشرم الشيخ.
تتوقع JLL استمرار هذا الاتجاه خلال عام 2025، بدعم من استثمارات جديدة في الفنادق الفاخرة والمتوسطة. كما يجذب تعافي السياحة الثقافية وسياحة الأعمال علامات ضيافة عالمية تنظر إلى مصر، وخاصة القاهرة، كمركز إقليمي واعد. وهناك بالفعل عدد من المشاريع قيد التنفيذ، لا سيما في العاصمة الإدارية الجديدة.
شهد الربع الأول من 2025 افتتاح فندقين من فئة الخمس نجوم — فندق نايل هيلتون المعادي وفندق سوفيتل وسط البلد — ما أضاف حوالي 870 غرفة جديدة إلى المعروض الفندقي في القاهرة. ومن المتوقع إضافة 650 غرفة أخرى في فئات الأربع والخمس نجوم قبل نهاية العام، ما سيرفع إجمالي عدد الغرف الفندقية في المدينة عن 27.8 ألف غرفة، وفقًا لبيانات JLL.

قطاع التجزئة يختبر صيغًا جديدة وسط تغير الطلب
رغم أن التضخم المرتفع أضعف القوة الشرائية، إلا أن سوق التجزئة العقاري في القاهرة يُظهر بوادر انتعاش حذرة، بفضل توجه المطورين نحو صيغ جديدة. يتركز الاهتمام الآن على توفير تجارب متنوعة للزوار من خلال دمج التسوق مع الترفيه والمطاعم استجابة لتغيرات سلوك المستهلكين وأنماط حياتهم.
يتجه المطورون أيضًا إلى إنشاء مجتمعات متكاملة تجمع بين السكن والتجزئة والمساحات الإدارية، بهدف الحفاظ على القيمة طويلة الأجل. ولا يزال الطلب من العلامات التجارية المحلية والعالمية قويًا، خصوصًا في القاهرة الكبرى والمناطق الساحلية، وفقًا لتقرير JLL.
شهد الربع الأول من 2025 إضافة حوالي 27 ألف متر مربع من المساحات التجارية، ليرتفع إجمالي المعروض إلى 3.22 مليون متر مربع في العاصمة. وتتركز معظم هذه التوسعات في شرق القاهرة الكبرى لا سيما في القاهرة الجديدة والعاصمة الإدارية حيث تتكاثر المجمعات التجارية ومراكز التسوق المجتمعية.
تشير التقارير إلى أن المشاريع الأصغر والمفتوحة تحقق أداءً أفضل من نظيراتها الكبيرة والمغلقة، حيث توفر بيئة أكثر مرونة وتفاعلًا اجتماعيًا يلقى استحسان المستهلكين. ويتجلى الانتعاش التدريجي لهذا القطاع في تحسن المبيعات، انخفاض معدلات الشغور إلى 7.2%، واستمرار الطلب من المستأجرين الراغبين في التوسع أو إعادة تموضع علاماتهم.

تعافٍ معقد — لكن الزخم الإيجابي حاضر
رغم أن التعافي لا يسير بوتيرة واحدة عبر القطاعات المختلفة، إلا أن الصورة العامة تشير إلى سوق في طريقه لاستعادة التوازن. فكل قطاع يواجه تحدياته ومحفزاته الخاصة من الحاجة إلى مساحات مكتبية مرنة وسكن بأسعار معقولة، إلى إعادة تصور مساحات التجزئة وإنعاش قطاع السياحة.
ما يوحد هذه التطورات هو شعور بالحذر المتفائل. ومع ظهور مؤشرات على الاستقرار الاقتصادي وعودة ثقة المستثمرين بشكل تدريجي، بدأت سوق العقارات في القاهرة تستعيد بعضًا من الديناميكية التي فقدتها في السنوات الماضية. ومن المتوقع أن يشكل ما تبقى من عام 2025 اختبارًا حاسمًا لمدى استدامة هذا الزخم — لا سيما مع استمرار تكيّف المطورين والمشترين والمستأجرين والمستثمرين مع واقع جديد عنوانه: الانتقائية، المرونة، واتخاذ قرارات قائمة على القيمة.