التحولات في ثقافة السكن في مصر: من الملكية التقليدية إلى الكومباوند الذكي

التحولات في ثقافة السكن في مصر: من الملكية التقليدية إلى الكومباوند الذكي

المقدمه

يشهد سوق العقارات في مصر تحولاً ثقافياً عميقاً. ففي الماضي، كان النموذج التقليدي للسكن يتمحور حول امتلاك “شقة تمليك” باعتبارها الهدف النهائي، حيث كانت القيمة ترتبط تقريباً بالوحدة نفسها فقط. أما اليوم، فأصبح المصريون ينجذبون بشكل متزايد إلى الكومباوندات الذكية والمتكاملة التي لا يقتصر جاذبيتها على تملك العقار فحسب، بل تشمل أيضاً نمط الحياة والخدمات وتجربة المجتمع الذي توفره هذه المشروعات. يمثل ذلك تحولاً جوهرياً في ثقافة السكن — من اعتبار الملكية غاية في حد ذاتها إلى تبني نموذج أكثر شمولية للحياة الحضرية الحديثة.

دوافع التغيير: التحول نحو الكومباوندات

عدة عوامل تدفع المشترين للابتعاد عن الملكية التقليدية والتوجه إلى الكومباوندات الذكية:
• صعود الطبقة المتوسطة وزيادة الدخول يعززان الطلب على الإسكان متوسط الشريحة، الذي يعد بالفعل أكبر قطاع من حيث الإيرادات.
• الازدحام الحضري والضغط على البنية التحتية في الأحياء القديمة يجعلان المدن المخططة الجديدة أكثر جاذبية.
• أولويات نمط الحياة — مثل الأمن، المساحات الخضراء، والخدمات متعددة الاستخدام — أصبحت أكثر قيمة من حجم الشقة أو قربها من وسط المدينة.
• الضغوط الاقتصادية الكلية (التضخم وتكاليف المعيشة) وخفض أسعار الفائدة يشجعان المشترين على النظر إلى المنازل كاستثمار طويل الأجل وليس مجرد تكلفة بالمتر.
• السياسات الحكومية توسّع خيارات الإسكان عبر مدن جديدة، مما يزيد المعروض ويدعم المطورين، خصوصاً في الكومباوندات الموجهة للطبقة المتوسطة.

الإطار الحكومي: السياسات والمبادرات الدافعة للإسكان الذكي

خلال العامين الماضيين، أطلقت وزارة الإسكان وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مجموعة من السياسات المهمة لتشجيع تطوير الكومباوندات الحديثة والمتكاملة.
على سبيل المثال، في مايو 2025 مددت الحكومة حزمة الحوافز وتسهيلات المشروعات العقارية والخدمية في المدن الجديدة لمدة عام، مع تركيز على المشروعات متعددة الاستخدام والمتكاملة بالكامل. كذلك، تم تجديد العمل بنسبة فائدة منخفضة تبلغ 15% على أقساط الأراضي حتى مايو 2026، وتم تمديد فترة صلاحية التراخيص التشغيلية من عام واحد إلى خمسة أعوام لدعم المطورين وتخفيف الضغوط التمويلية.

كما عززت الحكومة مبادرة “سكن لكل المصريين” الهادفة إلى توفير مليون وحدة سكنية يستفيد منها حوالي 3 ملايين شخص، مع التركيز على الشرائح منخفضة ومتوسطة الدخل. ويصاحب هذه المبادرة برنامج “المدن الخضراء” الذي يركز على الاستدامة، والطاقة المتجددة، وتحسين البنية التحتية في المدن الجديدة.

بالإضافة إلى ذلك، توفر مبادرة “بيتُك في مصر” للمصريين في الخارج وحدات فاخرة وقطع أراضٍ في المدن الجديدة بخيارات سداد مرنة وعرض استراتيجي لمواقع الوحدات عبر عدة مدن عمرانية جديدة. وقد شملت المرحلة الأولى 5,055 وحدة، بعضها جاهز للتسليم الفوري والبعض الآخر للتسليم بحلول نهاية 2025.

آليات التنفيذ: الإقامة، التيسير في التملك، والحوافز

لتشجيع اعتماد أوسع للكومباوندات الذكية والمشروعات السكنية الحديثة، قدمت الحكومة والجهات التنظيمية عدة آليات عملية لجعل التملك أكثر سهولة وتبسيط الإجراءات وتوفير حوافز مالية للمطورين والمشترين:
• خطط سداد مرنة وحوافز على الفائدة: الحفاظ على نسبة فائدة ثابتة 15% على أقساط الأراضي يساعد المطورين والمشترين على إدارة التدفقات النقدية، مما يجعل الاستثمار في الكومباوندات الذكية أكثر قابلية مقارنة بالشقق التقليدية.
• إجراءات مبسطة للمغتربين: ضمن مبادرة “بيتك في مصر” يمكن للمصريين بالخارج الاستفادة من خصومات حصرية تتراوح بين 3% و10% عن الأسعار السوقية، مع خطط سداد مرنة تصل إلى 10 سنوات، ما يشجعهم على اختيار الكومباوندات الذكية.
• حوافز للأراضي والتنظيم: قامت هيئة المجتمعات العمرانية بزيادة نسب المسطحات البنائية للمشروعات متعددة الاستخدام، ومد فترات التنفيذ، والحفاظ على الحوافز لمشروعات التنمية العمرانية المتكاملة، مما يقلل العوائق أمام المطورين ويسرّع التحول نحو الكومباوندات.

تأثير التحول على المطورين العقاريين: تشكيل استراتيجيات السوق

التحول السريع من الشقق التقليدية إلى الكومباوندات والمشروعات المتكاملة يعيد تشكيل استراتيجيات المطورين في التخطيط والتصميم والتسويق. تشمل أبرز التأثيرات:
• تسريع إطلاق المشروعات: المطورون يسرّعون إطلاق مشروعات الكومباوند، خصوصاً في المناطق عالية الطلب مثل العاصمة الإدارية الجديدة، العلمين الجديدة، التجمع الخامس/السادس، والساحل الشمالي. فقد سجلت أكبر 10 شركات تطوير عقاري مبيعات بقيمة 290 مليار جنيه في الربع الأول من 2025 بزيادة 23% عن نفس الفترة في 2024.
• التركيز على الخدمات ونمط الحياة: أصبح التركيز على الأنظمة الأمنية (بوابات ذكية، كاميرات مراقبة)، المساحات الخضراء، والخدمات المتعددة الاستخدام، جزءاً أساسياً من استراتيجية البيع، إذ لم يعد العملاء يبحثون فقط عن وحدة سكنية بل عن مجتمع متكامل.
• ارتفاع الأسعار وضغوط العوائد: ارتفعت أسعار المتر المربع بشكل ملحوظ في المواقع المميزة داخل الكومباوندات، ما يخلق فرصاً وتحديات. ففي الربع الثاني من 2025 تراوحت الأسعار بين 60,000 – 200,000 جنيه/م² في التجمع الخامس وبين 50,000 – 70,000 جنيه/م² في العاصمة الجديدة، مما يفرض على المطورين الموازنة بين السعر والجودة والطلب.

التوصيات لضمان نجاح الإسكان الذكي

لكي تؤتي هذه التحولات ثمارها على المدى الطويل، يلزم التخطيط الدقيق والتحسين المستمر:

للمطورين:
• تبسيط إجراءات التعاقد والتسجيل بما يتماشى مع المعايير الدولية لزيادة ثقة المشترين وتسريع المبيعات.
• توفير مشروعات ذكية متوسطة السعر بجانب المشروعات الفاخرة لضمان شمولية أكبر.
• الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية منذ المراحل الأولى للمشروع لضمان رضا السكان وتحسين السمعة.

للحكومة والمنظمين:
• وضع ضوابط لمنع المبالغة في التسعير وضمان عدالة قيمة الخدمات والمرافق.
• تشجيع اعتماد تقنيات الاستدامة مثل المباني الخضراء والطاقة المتجددة وأنظمة المنازل الذكية لزيادة القيمة السوقية.

للمشترين:
• اختيار مشروعات من مطورين معتمدين يتمتعون بالشفافية وجاهزية البنية التحتية والالتزام بمعايير الاستدامة لضمان قيمة استثمارية وأمان طويل الأجل.

 

التقييم والسيناريوهات المستقبلية

توجد عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل سوق الإسكان في مصر:
• السيناريو أ: نمو مستدام – استمرار السياسات الحكومية وحفاظ المشترين على الطلب يرسخ الكومباوندات كنموذج سكني أساسي.
• السيناريو ب: ضغوط القدرة على الشراء – ارتفاع الأسعار قد يخرج شرائح كبيرة من السوق ويعمّق الفجوة مع الأحياء التقليدية.
• السيناريو ج: تخمة معروض أو مضاربة – إطلاق مشروعات كثيرة دون طلب كافٍ قد يضغط على الأسعار ويخلق بنية تحتية غير مستغلة.
• السيناريو د: نموذج هجين متوسط السعر – ظهور كومباوندات أقرب للمدن وبأسعار معتدلة قد يوازن بين نمط الحياة الحديث والقدرة على تحمل التكلفة.

الخاتمة

يشهد قطاع الإسكان في مصر تحولاً جوهرياً من نموذج الشقق التقليدية إلى الكومباوندات الذكية والمتكاملة، مدفوعاً بتغير تفضيلات المشترين، وتوجهات التوسع العمراني، وزيادة الدخول، والدعم الحكومي. من المتوقع أن تصبح الكومباوندات النموذج السائد في المدن الجديدة، ما يوفر مستويات معيشة أفضل وتجربة مجتمعية محسّنة وقيمة استثمارية طويلة الأجل. لكن لتحقيق الاستدامة، من الضروري ضمان النمو المتوازن، والتخطيط الجيد، والمتابعة التنظيمية المستمرة للحفاظ على الوصولية والجودة بما يتماشى مع احتياجات المصريين المتغيرة.

تسجيل الدخول

Welcome! Login in to your account

تذكرنيفقدت كلمة المرور؟

فقدت كلمة السر