تأثير تفضيلات الشباب على تشكيل السوق العقاري

تأثير تفضيلات الشباب على تشكيل السوق العقاري

يُعد فهم إحصاءات العقارات والتفضيلات والاتجاهات والسلوكيات المرتبطة بمختلف الأجيال أمرًا ضروريًا لاكتشاف الاحتياجات والأولويات المتنوعة التي تُشكّل سوق الإسكان. حيث يؤثر عمر المشتري على تفضيلاته العقارية، وتلعب الفروقات العمرية دورًا كبيرًا في تشكيل الاتجاهات والسلوكيات الجديدة داخل السوق.

ووفقاً للساعة السكانية الرسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد سكان مصر حوالي 107 مليون نسمة في إبريل 2025 ووفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء أيضاً فإن متوسط نسبة الشباب (من 18 -29 سنة) في مصر 21.1 مليون نسمة (منهم 51.9 % ذكورا و48.1 % إناث) أي حوالي 19.9% من اجمالي السكان وعن وزارة التخطيط والتنمية العمرانية فإن نسبة الشباب أقل من 44 عام تصل إلى 60% من اجمال السكان، وفي ظل تغير التركيبة العمرية عالمياً ومحلياً، أصبحت فئة الشباب (من 18 حتى 44 عامًا) (جيل الألفية ”Millennials”  – جيل Z  (وتفرض هذه الفئة نمطًا مختلفًا في الطلب على الوحدات السكنية من حيث المساحة، الموقع، وطريقة التمويل.

 ولتحليل تأثير تفضيلات الشباب على سوق السكن بشكل دقيق، يمكن تقسيم هذا الجيل إلى أكثر من فئة حيث يُمكن تقسيم الشباب إلى فئتين وفقاً لاحتياجاتهم السكنية وهم “الشباب العاملون بلا أطفال (DINKOs) والعائلات الشابة (Early Nesters)”، وقد طُرح هذا التقسيم في تقرير بعنوان خيارات وحلول السكن للشباب في 2020 وهي دراسة أجريت في بريطانيا واستهدفت الشباب من سن 20 – 34 سنة.

تفضيلات الشباب في شراء السكن

وفقاً لتقرير “اتجاهات المشترين والبائعين في سوق العقارات الأمريكية حسب الأجيال لعام 2025” والصادر عن الجمعية الوطنية للوسطاء العقاريين (NAR – National Association of REALTORS) فإن التفضيلات تعتمد على عدة عوامل وأهمها:

  • الموقع والقرب من العمل 

يفضل الشباب السكن بالقرب من مراكز العمل أو وسائل المواصلات العامة، حيث أعتبر 40٪ من Millennials تكلفة التنقل/المواصلات عاملًا “مهمًا جدًا” في اختيار الموقع، كما يفضل الشباب الحالي القرب من العائلة والأصدقاء حيث أظهرت الدراسة أن 53% من الشباب يفضلون السكن بالقرب من منزل العائلة أو الأصدقاء.

  • المساحة والتصميم العملي

لا يهتم الشباب بمساحات ضخمة بقدر ما يهتمون بالتصميم العملي، فهم يفضلون المنازل المتوسطة أو الصغيرة التي تناسب حياتهم المستقلة أو في بداية الزواج.

  • حالة العقار

يفضل العديد من المشترين في الفئة العمرية 26-34 سنة العقارات الجاهزة للسكن والتي تم إعدادها بشكل جيد، حيث يعتقدون أن هذه العقارات توفر لهم الراحة والاستقرار دون الحاجة إلى إجراء تعديلات أو تجديدات. وقد أظهرت الدراسات أن 64٪ من هؤلاء المشترين يعتبرون جودة العقار والمنطقة المحيطة به العوامل الرئيسية التي تؤثر في قرارهم بشراء المنزل.

التكنولوجيا وطرق البحث

رغم أن وكلاء العقارات لا يزالون الخيار المفضل لما لديهم من خبرة ومعرفة بالسوق، إلا أن الأدوات الرقمية أصبحت تلعب دورًا محوريًا، حيث أن 31% من الشباب يجدون الذكاء الاصطناعي مفيدًا أثناء شراء المنزل و41% يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وإنستغرام وتيك توك للبحث عن المنازل ومتابعة الاتجاهات والتواصل مع السماسرة.

  • التمويل 

على الرغم من ارتفاع مستوي الدخل في الولايات المتحدة الأمريكية إلا أنه يقابله ارتفاع في أسعار الوحدات السكنية حيث أشار التقرير إلى أن كثير من المشترين اضطروا لتقليل الإنفاق على الترفيه والسلع غير الأساسية لتوفير الدفعة الأولى لشراء السكن، كما أكد 60% من المشتريين الشباب أن إيجاد المنزل المناسب بالسعر المناسب كان العائق الأكبر في شراء منازلهم.

تأثير تفضيلات الشباب على سوق العقارات والمعروض منه

  1. تغيّر في نوع المعروض

في ظل ارتفاع أسعار العقارات وتكاليف المعيشة، أصبحت الشقق الصغيرة والاستوديوهات خيارًا أكثر واقعية للعرض في الأسواق من المطورون العقاريون، حيث أن الكثير من الشباب يعيشون بمفردهم أو مع شريك دون أطفال، مما يجعل المساحة الكبيرة غير ضرورية بل مرهقة ماليًا من حيث الصيانة والكهرباء، كما أن ظهور ثقافة “العيش البسيط” (Minimalism) أسهم أيضًا في تفضيل مساحات أقل مع كفاءة أعلى في التصميم.

 

  1. تأثير مباشر على المواقع العقارية

نظراً لرغبة الشباب في وجود العقار الخاص بهم في موقع قريب من وسائل المواصلات حيث أعتبر 40٪ من Millennials تكلفة التنقل/المواصلات عاملًا “مهمًا جدًا” في اختيار الموقع أدي ذلك إلى ارتفاع أسعار العقارات في المناطق الحضرية، القريبة من محطات النقل، الجامعات، ومراكز العمل، وانخفاض الطلب في الأماكن المعزولة، ما لم يتم تطويرها وربطها بالخدمات.

  1. تحوّل في أساليب التسويق

أصبح إلزامياً على المطورون العقاريون التسويق عبر الأنترنت واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي حيث أكد تقرير “مستقبل العقارات 2024 والصادر من RE/MAX و Canvas8 أن 41% من الأجيال الشابة (جيل الألفية وجيل Z) يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وانستجرام وتيك توك للبحث عن العقارات ومتابعة الاتجاهات العقارية، كما أن استخدام تقنيات الواقع الافتراضي (VR) لعرض العقارات أصبح ميزة تنافسية حقيقية.

  1. تغير في أساليب سداد قيمة العقار

بما أن كثير من الشباب يعانون من ضعف القدرة الشرائية (خاصة مع ديون الدراسة وغلاء المعيشة)، يضغطون على السوق (المطورون العقاريون) لإيجاد حلول مبتكرة لارتفاع أسعار العقارات مثل الملكية المشتركة حيث أظهرت الدراسات أن 15% من الأمريكيين قاموا بشراء منزلاً بالشراكة مع شخص أخر لكي يستطيعوا تحمل التكلفة الباهظة للعقارات وانتشر “التملك الجزئي” و”السكن التعاوني” (Co-Housing) في أغلب دول أوروبا، وفي السعودية ظهرت مبادرات حكومية لتعزيز التملك للمواطنين الشباب ضمن برامج مثل سكني، وكذا قام المطورون العقاريون من خلال البنوك بوضع خيارات مختلفة للتقسيط. 

تأثير تفضيلات الشباب على المعروض العقاري في مصر

يتميّز السوق العقاري المصري بسمات فريدة تميّزه عن غيره من الأسواق الإقليمية والدولية، لكن هناك تقاطعات مهمة حيث أن أنماط الطلب تتشابه مع الاتجاهات العالمية مثل زيادة الاعتماد على الحلول الذكية، أو ارتفاع تكاليف تملك العقارات.

ومن أبرز ما يميز السوق المصري هو الثقل الكبير للشريحة الشبابية، التي تمثل النسبة الأكبر من السكان، وتأتي باحتياجات وتفضيلات مختلفة جذريًا عن الأجيال السابقة. ومع ازدياد وعي هذه الفئة بفرص السوق وخيارات السكن، وانكشافهم على تجارب عالمية من خلال التكنولوجيا والسفر والتعليم اصبحوا يفضلوا عدد من السمات في المنازل تلك السمات المشابهة لتفضيلات الشباب في معظم دول العالم وقد بدأ تأثيرهم ينعكس بوضوح على شكل المعروض العقاري، ونوعية المنتجات السكنية المطروحة.

وبينما كانت المشاريع العقارية في السابق تركز على الفلل الواسعة أو الشقق التقليدية، أصبحت التوجهات الحديثة للمطورين العقاريون تميل نحو نماذج الـ studio وsmart apartments، نتيجة مباشرة لتغير نمط الطلب لدى الشباب، ونتيجة لانخفاض مستوي دخل فئة الشباب وعدم قدرتهم على سداد قيمة العقارات بالكامل لجئ المطورون العقاريون إلى طرح أنظمة سداد مختلفة لتتماشي مع احتياجات تلك الفئة، كما أن الحكومة قامت بعدد كبير من المبادرات الحكومية للتمويل العقاري (مثال: مبادرة 3٪) (مبادرة 8%) وذلك للتماشي مع احتياجات الشباب المصري، وعلى الجانب الأخر طرح الحكومة عدد من المشروعات مثل مشروع الإسكان الاجتماعي (سكن مصر) ودار مصر وجنة مصر وذلك لتلبي احتياجات الشباب المصري بمختلف متطلباته، كما تعمل الحكومة على توفير المواصلات العامة للمدن والمناطق الجديدة وذلك حتي تلبي رغبات الشباب في السكن في المدن الجديدة التي تُعد الخيار الأمثل لهم من حيث السعر والخدمات.

وبعد ما تم عرضه يمكن التأكيد على الشباب أصبحوا قادة الطلب العقاري. يفرضون مفاهيم جديدة على السوق: من حيث المرونة، التصميم، التمويل، والتقنيات، ورغم التحديات الاقتصادية، فإن هذه الفئة تظل محركًا أساسيًا في قرارات التطوير العقاري، ويتوقع أن تزداد قوتهم التفاوضية والطلبية خلال العقد القادم، فهم لم يعودوا مجرد مستهلكين للمنتج العقاري، بل شركاء فعّالون في تحديد اتجاهاته وتشكيل مستقبله.

 

تسجيل الدخول

Welcome! Login in to your account

تذكرنيفقدت كلمة المرور؟

فقدت كلمة السر