الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل مستقبل القطاع العقاري.. الفرص والتحديات

الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل مستقبل القطاع العقاري.. الفرص والتحديات

تشهد دول العالم في الوقت الراهن العديد من التطورات التكنولوجية التي تؤثر بطبيعة الحال على اقتصاداتها، وتُعد تطبيقات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي واحدة من أكثر التقنيات انتشارًا في القرن الحادي والعشرين، بحيث أصبحت خيارًا هامًا للدول النامية للخروج من دائرة التخلف والتهميش الاقتصادي وتحقيق متطلبات وأبعاد التنمية المستدامة.

وتشير البيانات إلى زيادة حجم التمويل الدولي لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ليتضاعف حجم إنفاق الدول الأوروبية إلى نحو 5 مرات، حيث ارتفع من نحو 2.4 مليار يورو عام 2015 إلى نحو 11.4 مليار يورو عام 2017، وفي آسيا بلغت الاستثمارات الخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي أكثر من 6.5 مليارات يورو عام 2018، كما بلغ حجم السوق في أمريكا الشمالية 144 مليار دولار عام2023، ومن المتوقع أن تتجاوز عوائد رقائق الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء دول العالم نحو 80 مليار دولار في الأعوام الخمسة المقبلة، الأمر الذي يؤكد أهمية إسراع الدولة المصرية في مواكبة التغيرات العالمية، خاصة التطور الخاص بتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

ويشهد قطاع العقارات تحولاً جذرياً بفضل التكامل المتزايد لتقنيات الذكاء الاصطناعي. فلم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد مفهوم مستقبلي، بل أصبح أداة أساسية تُحدث ثورة في طريقة تحليل الأسواق، وتقييم الأصول، واتخاذ القرارات الاستثمارية الاستراتيجية في عام 2025 وما بعده.

الذكاء الاصطناعي يقتحم عالم العقارات
يشهد سوق الذكاء الاصطناعي في قطاع العقارات نموًا هائلاً، مما يعكس الاعتماد المتزايد على هذه التقنيات. وتشير التقديرات إلى أن حجم السوق العالمي للذكاء الاصطناعي في العقارات قد نما بشكل ملحوظ من حوالي 222.65 مليار دولار في عام 2024 ليصل إلى ما يقدر بـ 303.06 مليار دولار في عام 2025، بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ حوالي 36.1%. هذا النمو مدفوع بالطلب المتزايد على التحليلات الدقيقة، الكفاءة التشغيلية، وتحسين تجارب العملاء التي يوفرها الذكاء الاصطناعي.

كما تكمن قوة الذكاء الاصطناعي AI في قدرته الهائلة على معالجة وتحليل مجموعات بيانات ضخمة ومتنوعة المصادر، تشمل أسعار العقارات التاريخية والحالية، الخصائص الديموغرافية، المؤشرات الاقتصادية الكلية والجزئية، بيانات المواقع الجغرافية، وحتى أنماط سلوك المستهلكين عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. يتيح هذا التحليل العميق فهمًا شاملاً لديناميكيات السوق وتحديد العوامل الخفية التي تؤثر على العرض والطلب والقيمة.

الذكاء الاصطناعي وتقييم العقارات
تطورت العلاقة بين العقارات والتكنولوجيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث أدى الابتكار إلى إحداث تغييرات كبيرة في كيفية تقييم العقارات.  تحسنت دقة وكفاءة تقييمات العقارات بشكل ملحوظ، وذلك بعد الاعتماد بشكل متزايد على التقنيات المتقدّمة مثل الذكاء الاصطناعي (AI).

وليس من الغريب أن يعتمد مستقبل العقارات بشكل كبير على حلول الذكاء الاصطناعي، لقد جعل هذا النظام الذكي إدارة الممتلكات أكثر كفاءة وانسيابية وتخصيصًا وأكثر خدمة وتركيزًا على العملاء، بدايةً من أتمتة العمليات وتعزيز تجارب العملاء وزيادة الإنتاجية ووصولاً إلى توفير رؤى قيمة لاتخاذ قرارات أفضل.

التحديات والفرص المستقبلية
على الرغم من التقدم الكبير الذي أحرزه الذكاء الاصطناعي في القطاع العقاري، إلا أنه مازال هناك عدد من التحديات التي قد تعوق تطبيقه على نطاق واسع؛ وتستعرض «إنفستجيت» في هذا التقرير أبرزها، وأهم مقترحات وتوصيات الخبراء العقاريين لمجابهتها والتغلب عليها:

نقص البيانات وجودتها: يعتمد الذكاء الاصطناعي على البيانات لتدريب نماذجه واتخاذ القرارات، وفي مجال العقارات قد يكون من الصعب جمع البيانات اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي بسبب التكلفة العالية والصعوبات القانونية والخصوصية، لذلك تمثل ندرة البيانات تحديًا كبيرًا عند استخدام الذكاء الاصطناعي في العقارات حيث تعتمد جودة خوارزميات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على البيانات التي تتلقاها والاستفادة منها لتوفير مخرجات كافية.
تنشأ المشكلة الرئيسية عندما لا تكون مجموعات البيانات المتاحة متنوعة بما فيه الكفاية، على سبيل المثال، البيانات المتعلقة بالعقارات السكنية والتجارية، وملفات البناء، وتاريخ المبيعات، ومعلومات حول الإيجارات، والمستأجرين، واتفاقيات الإيجار، ومع ذلك، يمكن لممارسات استخراج البيانات المتقدمة أن تساعد في التغلب على التحدي المتمثل في ندرة البيانات في صناعة العقارات.

القوانين والتشريعات: يعد التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي بما يتوافق مع القانون مع جعل أمن البيانات أولوية قصوى أحد أكبر التحديات التي تنطوي على الذكاء الاصطناعي والعقارات ويكمن في حماية البيانات، كما يعد التعامل مع المعلومات الشخصية لآلاف عملاء العقارات مسؤولية كبيرة. ومع ذلك، فإن العديد من المتخصصين في الذكاء الاصطناعي يبتكرون مسارات مبتكرة نحو أمن البيانات ضد الجرائم الإلكترونية، كما يجب أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في العقارات وفقًا للتشريعات والقوانين المحلية والدولية ولكن قد تواجه الشركات والمؤسسات تحديات في فهم والامتثال لهذه التشريعات المعقدة لذلك يجب التأكد من أن استخدام الذكاء الاصطناعي يتوافق معها.

تنوع الاختيارات والتعقيد: تعامل الذكاء الاصطناعي مع التنوع والتعقيد يشكل تحديًا في استخدامه في مجال العقارات فهو يحتاج إلى قدر كبير من المعلومات والتحليل لفهم تفضيلات واحتياجات العملاء المختلفة وتوفير تصميمات وتوصيات ملائمة لكل حالة ويتطلب ذلك تطوير نماذج وخوارزميات قوية قادرة على التعامل مع الاختلافات الفردية والتعقيدات المعمارية والتصميمية، بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يتم تدريب النظم الذكية بشكل جيد على مجموعة واسعة من النماذج والبيانات للتعرف على جميع الاختيارات المتنوعة والتعقيدات المتعلقة بالعقارات.

البنية التحتية وتكاليف التكامل: يتطلب تطبيق حلول الذكاء الاصطناعي استثمارات في البنية التحتية التكنولوجية وتحديث الأنظمة القائمة، وهو ما قد يمثل تحديًا ماليًا ولوجستيًا لبعض الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة.

الحاجة إلى المختصين: للاستفادة الكاملة من الذكاء الاصطناعي، تحتاج الشركات العقارية إلى كوادر بشرية قادرة على فهم هذه التقنيات، تشغيلها، تفسير نتائجها، ودمجها بفعالية مع الخبرة البشرية. يتطلب ذلك تدريبًا وتطويرًا للمهارات.

توصيات لتجاوز تحديات الذكاء الاصطناعي
ولتجاوز هذه التحديات والتمتع بفوائد الذكاء الاصطناعي، يمكن اتباع التوصيات التالية:
الاستثمار في بنية تحتية للبيانات: يجب بناء بنية تحتية قوية لجمع وتخزين ومعالجة البيانات، وضمان جودتها وسلامتها.

البدء بمشاريع صغيرة: بدلاً من محاولة تطبيق الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في البداية، يُفضل البدء بمشاريع عقارية صغيرة ومحددة الأهداف، ثم توسيع النطاق تدريجياً.

التعاون مع الخبراء: الاستعانة بخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي يساعد في تطوير حلول مخصصة وتجنب الأخطاء الشائعة.

وضع أطر عمل واضحة للخصوصية والأمن: يجب وضع أطر عمل واضحة لحماية البيانات الشخصية وضمان أمن أنظمة الذكاء الاصطناعي.

التعليم والتوعية: يجب نشر الوعي بأهمية الذكاء الاصطناعي وتدريب الكوادر والعاملين بالقطاع العقاري على مهارات التعامل معه.

 

مقترحات خبراء القطاع العقاري
رغم أن مجال الذكاء الاصطناعي يعد جديدًا، ويفتقد للرؤى والمنظومات التشريعية في دول العالم، إلا أن «إنفستجيت» تناولت هذه القضية خلال المائدة المستديرة التي عقدتها مؤخرًا تحت عنوان «التكنولوجيا العقارية أساسٌ لبناء المستقبل»، وتناول الخبراء مناقشات متعمقة للرقمنة والإمكانات اللانهائية للحلول التكنولوجية المتقدمة، فضلًا عن الفرص غير المحدودة التي يمنحها الذكاء الاصطناعي لقطاع العقارات المصري دائم التطور والنمو في سعيه ليكون أكثر تنافسيه عالميًا.

وأكد خبراء القطاع العقاري أن الذكاء الاصطناعي تغلغل بقوة في كل جوانب الحياة، والعقارات ليست استثناءً، بفضل قدرته على معالجة كميات هائلة من البيانات وتحديد الأنماط وإجراء تنبؤات دقيقة، بالإضافة إلى الخدمات من تقييم العقارات وتحليل السوق إلى الجولات الافتراضية والتوصيات الشخصية. يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل المشهد العقاري؛ مما يجعله أكثر كفاءة وشفافية وفاعلية لكل من المشترين والبائعين.

وخلصت المناقشات إلى عدد من التوصيات أهمها:
اهتمام تشريعي بوضع الضوابط القانونية المتكاملة لمجال الذكاء الاصطناعي.
مواءمة التحول الرقمي في مجال العقارات مع المبادرات الحكومية.
تعزيز الشفافية وإمكانية الوصول إلى البيانات بين القطاعين العام والخاص.
دعم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العقارية من خلال حاضنات الأعمال العقارية.
توسيع استخدام تقنية البلوك تشين في المعاملات العقارية.
تطوير البنية التحتية المتقدمة لدعم التقنيات الجديدة للذكاء الاصطناعي.
تحفيز الحلول المستدامة من شركات التكنولوجيا العقارية.
تعزيز تبادل المعرفة الدولية في مجال الذكاء الاصطناعي.
إنشاء منصات رقمية داخل شركات العقارات.
الاستفادة من تقنية الواقع الافتراضي لتحسين عمليات بيع العقارات.
توعية الوسطاء العقاريون حول خدمات العملاء المعتمدة على البيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي.

الذكاء الاصطناعي يرسم مستقبل الاستثمار العقاري
يعتبر الاستثمار العقاري من الأنشطة الاقتصادية التي تتطلب فهماً عميقاً للسوق واتخاذ قرارات استراتيجية بناءً على بيانات دقيقة. في هذا السياق، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) أداة رئيسية تمكن المستثمرين من اتخاذ قرارات مدروسة بشكل أسرع وأكثر دقة. إنه ليس فقط أداة لتحليل البيانات، بل أيضًا محرك رئيسي للتطور في هذا القطاع، ويعزز من فرص النجاح في بيئة السوق العقاري المتغيرة باستمرار.

يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات العالمية لتمكين المستثمرين من التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية للأسواق العقارية. على سبيل المثال، يمكن للأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي أن تحلل تأثير الأحداث الاقتصادية الكبيرة مثل الأزمات المالية أو تغييرات في السياسات الحكومية، على السوق العقاري في مختلف البلدان. هذا النوع من التنبؤ يساعد المستثمرين في اتخاذ قرارات أكثر استراتيجيات على المدى الطويل.

خاتمة:
مستقبل العقارات في مصر مشرق، بفضل التطورات السريعة في تكنولوجيا العقارات، ومع تبسيط برامج إدارة العقارات للعمليات، وإعادة تشكيل المدن الذكية، تتجه مصر نحو سوق عقاري أكثر كفاءة وشفافية واعتمادًا على البيانات. سيمكّن تبني هذه الابتكارات مديري العقارات والمستثمرين والمطورين من اتخاذ قرارات مدروسة، وتعزيز رضا المستأجرين والمشترين، ودفع عجلة النمو المستدام.

وتعد مواكبة اتجاهات سوق العقارات في مصر أمرًا بالغ الأهمية للشركات الساعية إلى النجاح في هذه السوق الديناميكية. ومن خلال الاستفادة من قوة التكنولوجيا العقارية وتبني ابتكارات السوق، من المتوقع أن يصل قطاع العقارات في مصر إلى آفاق جديدة من الكفاءة والاستدامة والابتكار، مما يمهد الطريق لمستقبل مزدهر.

ومع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي في مصر، تبرز الحاجة إلى تطوير قانوني وتنظيمي مستمر. يشمل ذلك تحديث القوانين الحالية وطرح لوائح جديدة تعالج التحديات الفريدة التي تمثلها تقنيات الذكاء الاصطناعي. يتطلب اغتنام إمكانات الذكاء الاصطناعي مع الحد من مخاطره اتباع نهج متوازن يجمع بين الصرامة القانونية والاعتبارات الأخلاقية وأفضل الممارسات العالمية.

تسجيل الدخول

Welcome! Login in to your account

تذكرنيفقدت كلمة المرور؟

فقدت كلمة السر