تصاعد النزاع الإقليمي بين إيران وإسرائيل يُلقي بظلال معقدة على سوق العقارات في مصر
يرى المطورون العقاريون وخبراء القطاع تحديًا مزدوجًا: فالعقار يُعد تقليديًا ملاذًا آمنًا للأموال، مما قد يعزز الطلب، لكن في الوقت نفسه يُهدد النزاع بزيادة تكاليف البناء نتيجة صدمات أسعار الطاقة واضطراب سلاسل الإمداد.
يشعر الاقتصاد المصري بالفعل بالضغط. فبعد اندلاع الأعمال العدائية بين إسرائيل وإيران، سجلت أسواق الأسهم في مصر ودول الخليج خسائر حادة. ففي أول يوم تداول بعد بدء النزاع (الأحد)، انخفض المؤشر الرئيسي للسعودية (.TASI) بنسبة 1%، بينما تراجع مؤشر قطر (.QSI) بنسبة 3.2% في أكبر انخفاض يومي له منذ أبريل. وهبطت بورصة الكويت (.BKP) بنسبة 4.6%، وانخفضت أسهم طيران الجزيرة بنسبة 18.4% بسبب قيود المجال الجوي.
كما هبط مؤشر EGX30 الرئيسي في مصر بنسبة 4.6%، في أكبر انخفاض يومي منذ نحو 14 شهرًا، وشمل ذلك تراجع سهم البنك التجاري الدولي بنسبة 4.3%، وهبوط سهم شركة EFG القابضة بنسبة 12.4%. وتعكس هذه التحركات الكبيرة حالة القلق التي تثيرها التوترات الإقليمية لدى المستثمرين.
وكشف مصدر مطلع في وزارة المالية أن استثمارات أجنبية بقيمة 1.5 مليار دولار خرجت من سوق الدين المصري خلال أربعة أيام فقط، نتيجة تصاعد المخاوف من عدم الاستقرار الإقليمي. وقد أثّر هذا التدفق الخارجي مباشرة على الجنيه المصري الذي فقد أكثر من 85 قرشًا أمام الدولار الأمريكي يوم الأحد مباشرة بعد تصاعد النزاع.
وفي الأيام التالية، ارتفع سعر الدولار في البنك الأهلي المصري من 49.82 جنيهًا يوم الخميس إلى 50.68 جنيهًا يوم الأحد، مما يعكس حالة القلق في السوق، قبل أن ينخفض قليلًا إلى 50.28 جنيهًا يوم الاثنين. وأشار المصدر إلى أن هذا التصعيد المفاجئ أربك خطط الحكومة الاقتصادية ومن المتوقع أن يؤثر سلبًا على تدفقات الاستثمار الأجنبي والمحلي.
ارتفعت أسعار النفط العالمية يوم الجمعة بنسبة 7% مع تصاعد التوتر بين إسرائيل وإيران، ما أثار مخاوف بشأن حدوث اضطرابات أوسع في الإمدادات بالمنطقة. وازداد النزاع حدة بعد أن استهدفت إسرائيل مساء السبت بنية تحتية للطاقة في إيران، بما في ذلك منصة بحرية رئيسية في حقل بارس الجنوبي الذي تشترك فيه إيران مع قطر ويعد مصدرًا مهمًا لإنتاج الغاز الإيراني. وتزيد هذه الأحداث من حالة عدم اليقين الاقتصادي التي تؤثر على مصر.
مسار جديد للمطورين: الأولوية للتسليم
في مواجهة هذه الضغوط، يرى المطورون ضرورة تغيير جذري في طريقة عمل الشركات، بحيث يتم التركيز على استكمال المشاريع وتسليمها بدلًا من السعي فقط لتحقيق أرقام مبيعات مرتفعة. وأوضحوا أن النجاح لم يعد يُقاس بحجم المبيعات فقط، بل بالقدرة على التسليم في المواعيد وبالجودة المتفق عليها.
يعبّر المطورون عن تفاؤل حذر بشأن استقرار السوق في حال استمرار النزاع لفترة قصيرة، لكنهم يحذرون من أن التصعيد الكبير قد يجبرهم على إعادة النظر في استراتيجيات التسعير وإطلاق المشاريع.
وقال طارق شكري، رئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، إن تصاعد النزاع بين إسرائيل وإيران سيكون له بالتأكيد آثار اقتصادية إقليمية ستؤثر على سوق العقارات المصري، موضحًا أن أسعار مواد البناء هي العامل الأكثر أهمية في تكلفة المشاريع، وأن استمرار الحرب قد يؤثر على هذه الأسعار خاصة إذا تم إغلاق مضيق هرمز، مما ستكون له تداعيات كبيرة إقليميًا وعالميًا.
وأضاف شكري أن حالة عدم اليقين الحالية تتطلب سياسة بيع حذرة من الشركات، بحيث تبيع عددًا محدودًا من الوحدات بالتوازي مع تقدم مراحل البناء لتجنب مخاطر زيادة التكاليف المفاجئة التي قد تؤخر المشاريع. وأكد على أهمية التخطيط المالي الدقيق لمواجهة تغيرات الأسعار، كما نصح بعدم الإفراط في البيع بالتقسيط طويل الأجل حتى لا تنقلب المعادلة ضد الشركات إذا ارتفعت التكاليف بشكل غير متوقع.
العقار كملاذ آمن للأموال
على الرغم من المخاوف الاقتصادية، غالبًا ما يزيد الطلب على العقارات في أوقات الأزمات والحروب باعتبارها أصلًا آمنًا للحفاظ على الثروة. وأوضح شكري أن هذا الاتجاه لا يظهر فقط في مصر بل أيضًا في أسواق مجاورة، حيث قد يتجه المستثمرون إلى السوق العقارية المصرية بسبب استقرارها النسبي.
كما أكد أحمد شلبي، عضو اللجنة الوزارية للتنمية العمرانية والرئيس التنفيذي لشركة تطوير مصر، أن تقييم الأثر الكامل للأزمة ما زال صعبًا، لكن الطلب على العقارات حاليًا يتجاوز التوقعات، مما يؤكد دورها كملاذ آمن في أوقات الأزمات.
ارتفاع التكاليف وصعوبات التنفيذ
في المقابل، أشار شلبي إلى أن ارتفاع أسعار الطاقة واضطراب سلاسل التوريد قد يؤدي إلى نقص مواد البناء، مما يزيد الأعباء على الشركات التي التزمت بأسعار قبل الأزمة. وفي الحالتين (زيادة الطلب كملاذ آمن وارتفاع التكاليف) من المرجح أن ترتفع أسعار العقارات.
وأوضح أن زيادة الطلب تبدو إيجابية، لكنها تصاحبها تحديات كبيرة أبرزها ارتفاع التكاليف التي قد تتحملها الشركات. وأشار إلى أن الجميع يطبقون استراتيجيات تحوط، لكن لا توجد ضمانات بشأن الاتجاه القادم، خاصة مع احتمالية إغلاق مضيق هرمز الذي قد يرفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية ويزيد التضخم.
وأكد شلبي أن الشركات أصبحت أكثر خبرة في التعامل مع الأزمات الأخيرة، وأن السوق العقارية المصرية لا تزال تملك إمكانات نمو كبيرة بدعم من الاستقرار السياسي والاقتصادي ووجود طلب محلي ودولي قوي.
التركيز على التنفيز
قال أيمن عامر، المدير العام لشركة سوديك، إن الشركات بنت خطط تحوط قوية ضد تقلبات التكاليف المفاجئة، مما يمنحها مرونة لاستيعاب الصدمات بشرط ألا تدوم طويلًا. وأوضح أن توافر مواد البناء عامل حاسم وقد يتأثر نتيجة اضطرابات الطاقة، لكنه توقع أن يظل السوق المصري من الأكثر استقرارًا، مع تحسن محتمل في أرقام المبيعات بالنصف الثاني من العام.
أما شريف مصطفى، الرئيس التنفيذي لشركة IGI Developments، فقال إن التركيز على استكمال المشاريع القائمة واتباع استراتيجية بيع حذرة هو الأفضل حاليًا، مضيفًا أن الشركات حققت بالفعل مبيعات قياسية خلال العامين الماضيين وأن عامي 2025 و2026 يجب أن يركزا أكثر على البناء والتسليم بدلًا من السعي وراء أرقام مبيعات كبيرة. وأكد أن “النجاح لم يعد يُقاس بحجم المبيعات فقط بل بقدرة الشركة على التسليم”.
التحول إلى البدائل المحلية وإدارة المخاطر
قال أشرف ضياء، الرئيس التنفيذي لشركة A SQUARED Consultants، إن التوترات الجيوسياسية أدت إلى تقلبات حادة بأسعار النفط عالميًا، ما تسبب في زيادة تكاليف الشحن وأسعار المواد المستوردة. وأشار إلى أن المطورين المصريين يواجهون بالفعل زيادات في أسعار الحديد والإسمنت، مما قد يؤثر على جداول تنفيذ المشاريع وهوامش الأرباح.
وأضاف هشام إبراهيم، العضو المنتدب لشركة Winvestor Developments، أن أسعار الإسمنت ارتفعت بنحو 15% خلال الشهرين الماضيين نتيجة الاضطرابات، بينما ارتفعت أسعار الحديد مجددًا بنحو 18% بعد أن كانت انخفضت بنسبة 20% في بداية العام، وذلك بسبب زيادة تكاليف الشحن والتأمين. وأكد على أهمية إعادة النظر في الاعتماد على المواد المستوردة والاتجاه للبدائل المحلية لتقليل المخاطر.
استجابة الحكومة وخطط المستقبل
شكلت الحكومة المصرية لجنة أزمة بقيادة رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي تضم محافظ البنك المركزي وعددًا من الوزراء وممثلي أجهزة الدولة لمتابعة تداعيات النزاع بين إيران وإسرائيل والاستعداد للسيناريوهات المختلفة. كما أجلت الحكومة الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير الذي كان مقررًا في 3 يوليو بسبب التطورات الإقليمية.
رغم التحديات، يرى وزير الإسكان المهندس شريف الشربيني أن الوضع الحالي فرصة استراتيجية لتسريع الاستثمار العقاري في المدن الساحلية مثل العلمين الجديدة، وأعلن عن إطلاق منصة رقمية “Expo Alamein” للترويج الاستثماري وخطط لإطلاق محافظ استثمار عقاري خلال الأشهر المقبلة، إلى جانب مشروعات ترفيهية وصحية وصناعية. وأكد الوزير أن “الوقت مناسب لتحويل المدن الساحلية المصرية إلى مراكز حضرية مستدامة قادرة على جذب الاستثمارات الإقليمية والعالمية”.
نظرة إيجابية
يقف القطاع العقاري المصري عند نقطة توازن دقيقة تجمع بين كونه استثمارًا آمنًا تقليديًا وبين تأثير النزاعات الإقليمية على تكاليف البناء وسلاسل الإمداد. وتستند جهود المطورين وخطوات الحكومة النشطة إلى خبرات متراكمة بهدف تجاوز هذه الفترة غير المستقرة، مع التركيز على استكمال المشاريع واستقرار السوق واستغلال فرص التعاون الاستراتيجي للنمو.