كتبت: إيمان إبراهيم
تمثل العاصمة الإدارية الجديدة نقطة النور للقطاع العقاري في مصر، لذا فمن الصعب مناقشة أي شيء في هذا القطاع دون النظر إلى مشروعاتها، إذ أنها نجحت في تبني العديد من الاستراتيجيات العقارية الجديدة، سواء الاستدامة، أو التقنيات الحديثة، أو تبني مساحات واسعة من العقارات متعددة الاستخدامات؛ تلك المباني التي لم تكن وليدة العصر، ولكنها موجودة منذ أكثر من 50 عامًا، ولكن سطع ضوئها منذ إطلاق العاصمة الإدارية والمشروعات الجديدة، ورفعت شركات التطوير العقاري حجم استثماراتها بها، كما أنها لاقت رواجًا لدى العملاء باعتبارها استثمار ذا عائد عقاري أعلى من السكني.
واتفق عدد من الخبراء في حديثهم مع «إنفستجيت» على المزايا التي يمنحها الاستثمار في المباني متعددة الاستخدامات سواء للعميل، أو المطور العقاري؛ المستفيد من قلة تكلفتها فضلًا عن سعيه لاستقطاع شريحة أكبر من العملاء محققًا ربحًا أعلى. كما أوضحوا أن وجود أحياء كاملة في العاصمة الإدارية الجديدة ترتكز على تلك النوعية من المباني، دفع المطورين إلى ضخ المزيد من الاستثمارات بها، إلى جانب مستوى المرافق المقدم، ورغبة العملاء في اكتناز استثمارًا طويل الأمد في منطقة تُشكل مستقبل النهضة العمرانية في مصر، وتستقطب كبرى الشركات العالمية.
ليست ظاهرة حديثة
في هذا الشأن، قال جاسر بهجت، عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقاري، إن ظاهرة العقارات متعددة الاستخدامات موجودة في مصر منذ حوالي 50 عامًا، ولكن تم تسليط الضوء عليها منذ نحو 5 سنوات مع بدء الإعلان عن المشروعات الخاصة بها في العاصمة الإدارية الجديدة أو المدن الجديدة بشكل عام ووجود أحياء كاملة بها لتلك العقارات، لذلك تضاعف حجمها مؤخرًا.
بدوره، ذكر الدكتور حسن إبراهيم، المطور العقاري، أن فكرة العقارات متعددة الاستخدامات موجودة منذ فترة طويلة في مصر، ولكن لم تكن بتلك الكثرة، إذ كان يلجأ العملاء إلى استخدام العقارات السكنية للأنشطة الإدارية والتجارية، ولكن أصبح القطاع التجاري والإداري يلقى رواجًا حاليًا، لذلك، أقيمت مشروعات تستهدف تلك الشريحة، خاصة الإداري.
واتفق معهما، محمد مسعود، عضو مجلس إدارة شركة «منصات» للتطوير العقاري، قائلًا إن التنوع في وحدات السوق العقاري كان موجود في السنوات الماضية، وتمثل في مناطق مثل العباسية؛ التي تحتوي على مباني متعددة الاستخدامات بين التجاري والإداري والسكني، ولكن المنتج نفسه اختلف وتطور في العاصمة الإدارية الجديدة بدخول منتجًا جديدًا مثل الأبراج.
أسباب زيادة الإقبال
أوضح بهجت أن سبب إقبال المستثمرين على العقارات متعددة الاستخدامات يكمن في اعتبارها استثمارًا طويل الأجل، لذا عُزف عن الاستثمار بالعقار السكني الذي يشهد زخمًا، كما أنه لن يوفر للمستثمر نفس العائد سواء على المستوى متوسط الأجل أو طويل الأجل.
وأضاف بهجت أن إيجارات العقارات متعددة الاستخدامات أعلى، لذلك، فالمستثمر يتجه إلى شراء عيادة أو مكتب، على سبيل المثال، ويتربح منه من خلال التأجير، كما أن سعر تلك الوحدة يظل في ارتفاع على حسب منطقتها، ووفقًا لذلك فالعميل سيتمكن من إعادة بيعها بربح أكبر، كاشفًا أن سعر بيع العقارات متعددة الاستخدامات أعلى من العقارات السكنية رغم تقارب التكلفة بينهما، وعلى الرغم من عدم التوسع في إنشائها بصورة كبيرة، إلا أنها توفر ربحًا أعلى للمطور العقاري.
وفي ذات السياق، ذكر إبراهيم أن وجود طلبًا حقيقيًا من العملاء تجاه تلك العقارات دفع المطورين إلى تبني مشروعات تركز عليها، خاصة مع احتياج العديد من الشركات الكبرى لتوفير مقرات لها في مناطق أحدث وذات مرافق أعلى، لافتًا إلى أن تدشين المدن الجديدة والعاصمة الإدارية ساهم في زيادة الإقبال على العقارات متعددة الاستخدامات من جانب العملاء الذي يقدمون عليها سواء للاستثمار أو الاستخدام، أو من جانب المطورين الراغبين في استهداف شريحة أوسع من العملاء.
وكشف إبراهيم أن هذه العقارات تعد استثمارًا أفضل لشركات التطوير، لأنه في السابق كان يتم تسليم الوحدة غير كاملة التشطيب، مما يعني أن التكلفة الإجمالية على المطور تكون أقل بكثير من القطاع السكني، إذ يتحمل العميل تشطيب الوحدة متعددة الاستخدامات، ولكن مؤخرًا تقوم الشركات بتنفيذ تشطيبات تلك الوحدات بالتزامن مع رفع الإيجار أو سعر بيع الوحدة، لذا فهي تعد استثمارًا جيدًا للعميل والمطور.
علاوةً على ذلك، أكد مسعود أن توجه الدولة لتنفيذ مشروعات متعددة الاستخدامات في المدن الجديدة دعم الشركات لزيادة استثماراتها بها، منوهًا أن تدشين مدن الجيل الرابع دفع المطورين إلى تنفيذ منتج عقاري متعدد الاستخدامات يعمل على تكامل الخدمات بتلك المدن، وهو ما يعود بالنفع على العميل أو المستثمر لتوفر منتج ذا مزايا تنافسية أعلى.
وأوضح مسعود أن تلك المدن لا تشجع الاستثمار المحلي وحده بل الاستثمار الأجنبي أيضًا، فقيام المطورون بتدشين المباني متعددة الاستخدامات التي تتمتع بالمزايا الذكية يستقطب العملاء الأجانب، كاشفًا أن حجم استثمارات شركة «منصات» في العاصمة الإدارية تبلغ نحو 4.5 مليار جنيه، فيما تصل استثماراتها في التجمع الخامس لـ 5 مليارات جنيه.
قرار التوسع
وصرح إبراهيم بأن نسبة تنفيذ العقارات متعددة الاستخدامات حاليًا ليست كافية من قبل المطورين مقارنة بالطلب عليها، ولكنهم بدأوا بالتوسع وضخ استثمارات أكبر في ذلك القطاع، مبينًا أن تلك المباني لها تصنيفات حسب نوع الخدمة المقدمة، والمرافق المتاحة، والتشطيبات، والمنطقة، ولكل تصنيف عميل مستهدف، فضلًا عن أن المطورين يقدمون على تلك المشروعات بعد دراسة السوق؛ لمعرفة احتياج كل منطقة مستهدفة، أو مستوى الطلب المتوقع بها، وتكاليف الإنتاج، وهو يختلف على مستوى المناطق والمدن.
وقال إبراهيم: “وإلى جانب ما سبق تحدد الشركات قرار الاستثمار في ذلك القطاع من خلال دراسة قدرتها على المخاطرة في التحول من قطاع سكني ذا طلب مستمر وعميل دائم، إلى العقارات متعددة الاستخدامات، فلن تقبل كل الشركات على اختلاف أحجامها ضخ استثمارات والمخاطرة في قطاع جديد، قد يفضله عميل عن آخر في الاستثمار طويل الأجل وليس الاحتياج فقط”.
وختامًا، أكد خبراء التطوير العقاري على مزايا الاستثمار في المباني متعددة الاستخدامات للعميل والمطور على حد سواء من حيث العائد، موضحين أنها تلقى رواجًا في الفترة الحالية لقلة المعروض منها، إلى جانب عائدها الأكبر، ولكن يبقى قرار التوسع في الاستثمار بها مرهونًا بقدرة شركات التطوير العقاري على المخاطرة في ذلك المجال، واحتياج السوق، وإقبال العملاء.