تهتم الحكومة المصرية في الفترة الأخيرة بتنمية القطاع الصناعي من خلال إنشاء جيلًا جديدًا من المدن الصناعية المتخصصة في جميع محافظات الجمهورية. إن المدن الصناعية تعد إحدى الأدوات الفعالة لتنشيط حركة الاستثمارات المحلية، وجذب مزيدًا من الاستثمارات الأجنبية للبلاد. وعلى مدار الـ 8 سنوات الماضية، أولت الدولة اهتمامًا غير مسبوق بإنشاء المجمعات الصناعية، بما يساهم في إضافة قطاعات إنتاجية جديدة وخلق فرص عمل والمساهمة في زيادة الدخل القومي.
منذ عام 2015 وحتى نهاية عام 2022، تم إنشاء 4 مدن صناعية جديدة، بالإضافة إلى 17 مجمعًا للصناعات الصغيرة بتكلفة استثمارية 10 مليارات في 15 محافظة.
وفي العام الحالي، أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن الحكومة تعمل على إنشاء 9 مجمعات صناعية جديدة منها مجمعين لخدمة الصناعات عالية التكنولوجيا خلال خطة 2023/2024. كما وافق مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، على تخصيص نحو 12 مليون متر مربع، بـ 4 مدن جديدة للمطورين الصناعيين وهي: أكتوبر الجديدة، الفيوم الجديدة، العلمين الجديدة، أسوان الجديدة.
وفي سياق آخر، صرح المهندس خالد عباس، رئيس مجلس إدارة شركة «العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية»، بأنه جارٍ العمل على تصميمات المنطقة الصناعية بمساحة 2,000 فدانًا بالعاصمة الجديدة، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من التصميمات بالنصف الثاني من عام 2023، تمهيدًا لعرضها على المستثمرين، مؤكدًا على وجود طلبات من شركات التطوير الصناعي.
كل هذا يؤكد على تنامي أهمية العقار الصناعي في المستقبل القريب. من خلال التقرير التالي، تسلط «إنفستجيت» الضوء على الجهود المبذولة للنهوض بهذا القطاع، فضلًا عن تقييم أداء القطاع العقاري الصناعي في النصف الأول من عام 2023.
جهود الدولة
صرح المهندس أحمد سمير، وزير التجارة والصناعة، أنه مع بداية 2023 تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتنمية الصناعية (2022-2023/ 2026-2027) التي تعدها الوزارة وتستهدف تحقيق 5 أهداف أساسية تشمل تحقيق نسبة 8% لمعدل النمو الصناعي، وزيادة نصيب الصناعة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 20%، مع الوصول إلى معدل نمو للصادرات الصناعية ما بين 18 إلى 25% سنويًا، والتوسع في التحول نحو الصناعات الخضراء والاقتصاد الدائري، وذلك من أجل تحقيق صادرات بنحو 100 مليار دولار.
وفيما يتعلق بمنظومة تخصيص الأراضي الصناعية، تحرص الدولة على تيسير منظومة إتاحة وتسعير الأراضي الصناعية للمستثمرين، حيث أصدر مجلس الوزراء قرارًا بتشكيل اللجنة رقم 2067 لسنة 2022 برئاسة الهيئة العامة للتنمية الصناعية تختص بتوحيد جهة التعامل مع المستثمر لإنشاء مشروعه الصناعي. أكد وزير التجارة والصناعة أن إجمالي مساحة الأراضي الصناعية التي قامت اللجنة بتخصيصها منذ قرار تشكيلها بلغ ما يقرب من 1.2 مليون متر مربع لعدد 219 مشروع صناعي.
علاوةً على ذلك، أصدر مجلس الوزراء موافقة بتحديد أسعار الأراضي الصناعية التي يتم طرحها للمستثمرين وإتاحتها بنظامي التملك وحق الانتفاع مع إصدار الضوابط الخاصة بعملية التخصيص وتقديم تيسيرات مالية واجرائية لتسهيل عملية تخصيص الأراضي.
تيسيرات لتخصيص الأراضي الصناعية
أوضحت وزارة التجارة والصناعة، أن عدد المناطق الصناعية المعتمدة في مصر يصل إلى 147 منطقة صناعية تابعة لـ 7 جهات بإجمالي مساحة تصل إلى نحو 1,7 مليون فدان، فضلًا عن أن عدد المناطق الصناعية بنظام المطور الصناعي يصل إلى 17 منطقة صناعية، بإجمالي مساحة تصل إلى 22.7 مليون متر مربع.
وفي سياق متصل، كشف المهندس محمد عبد الكريم، رئيس مجلس إدارة هيئة التنمية الصناعية، أن عدد قطع الأراضي الصناعية لدى الهيئة العامة للتنمية الصناعية والمتاحة للاستثمار الصناعي يصل إلى 2,303 قطع بإجمالي مساحة 7,762,584 متر مربع موزعة على 18 محافظة.
خلال 2023، قدمت وزارة الإسكان تيسيرات جديدة للمطورين الصناعيين، وتضمنت القرارات الجديدة فترة سداد قيمة الأراضي، حيث سيتم تخصيص الأرض على مرحلتين، لتكون المدة الإجمالية للتنفيذ 5 سنوات للمرحلتين كحد أقصى، وأن يتم إنهاء الأعمال الأساسية والوصول إلى نسبة إنجاز 35% على الأقل للمباني وكامل مرافق المرحلة الأولى لإمكانية استلام المرحلة الثانية، بالإضافة إلى أن يتم سداد كامل المرحلتين طبقًا للسعر المعتمد من بداية المشروع. كما قدمت الوزارة فترات سداد تتناسب مع المستثمرين الصناعيين؛ وهي منح المطور فترة سماح عامين من تاريخ سداد دفعة التعاقد للمرحلة الأولى، على أن يتم استكمال نسبة الـ 75% المتبقية من قيمة المرحلة الأولى على 4 أقساط سنوية متساوية وبمعدل فائدة دعم الصناعة المقررة في تاريخ السداد.
وفي إطار سعي الهيئة العامة للتنمية الصناعية لسرعة توفير أراضي صناعية كاملة المرافق للمستثمر، تبنت الهيئة برنامج الجيل الجديد من التجمعات الصناعية – المطور الصناعي، عن طريق إقامة شراكة ناجحة مع القطاع الخاص، بما يتيح للشركات تطوير وترفيق وإدارة مناطق صناعية من خلال مناقصات عالمية، وذلك لمواجهة تحدي ندرة الأراضي الصناعية المرفقة، إذ أن احتياج الصناعة من الأراضي المرفقة يتعدى 7 مليون متر سنويًا، في حين ما تقوم الدولة بتوفيره لا يتعدى 3 مليون متر فقط.
وأكد عبد الكريم أن هيئة التنمية الصناعية، أعادت تفعيل خريطة الاستثمار الصناعي المميكنة، وفي هذا الصدد نعرض أكثر من 2 مليون متر مربع من الأراضي المرفقة في محافظات مصر.
وصرح عبد الكريم بأن هيئة التنمية الصناعية، قدمت تيسيرات غير مسبوقة للمجتمع الصناعي، أبرزها منح 6 أشهر مهلة مجانية للمشروعات داخل أو خارج البرنامج الزمني للتنفيذ كما تقرر خصم 50% من الغرامات المالية مع إمكانية تقسيط المتبقي حتى 3 سنوات أو خصم 75% من الغرامة عند الدفع الفوري.
مدينة «طربول» الصناعية
تقع مدينة «طربول»، التي تنفذها مجموعة «GV» للاستثمار، على مساحة 109 مليون مترًا مربعًا، بمحافظة الجيزة. وتتضمن «طربول» مناطق استثمار عدة طبقًا للأنشطة الصناعية الموجودة بها.
من جانبه، قال شريف حمودة، رئيس مجلس إدارة مجموعة «GV» للاستثمار، إن مشروع مدينة «طربول»، يقع على مساحة 26,000 فدانًا، ويستهدف توطين الصناعات الأساسية والتكميلية وصناعات القيمة المضافة، والصناعات التصديرية وصناعات إعادة التدوير والخدمات اللوجستية الذكية. ومن المخطط إقامة شبكة ذكية للمواصلات والنقل الداخلي بالمدينة، والمتوقع أن تضم المدينة 2 مليون نسمة، ومن المخطط أن يتم إنشاؤها على 7 مراحل.
وأكد حمودة أن مشروع «طربول» يعد واحدًا من أهم المشروعات الصناعية، التي تهدف إلى جذب أنظار العالم إلى مصر كدولة صناعية مؤثرة في العديد من القطاعات، تتيح حوافز تنافسية للمستثمرين.
يشار إلى أن العائد الاقتصادي لمدينة «طربول» سيتمثل في خلق أكثر من 700,000 فرصة عمل لأهالي محافظات الصعيد، في ظل استيعاب المدينة لأكثر من 13,000 منشأة صناعية. وتتبنى الشركة خطة تطوير للبنية التحتية لمدينة «طربول» على مستوى عالمي، بالشراكة مع شركات وخبراء عالميين.
مدينة «إندستريا أكتوبر»
في يناير 2023، كشف مجلس الوزراء عن أنه جار دراسة مخطط مشروع مدينة صناعية تتم إقامتها في مدينة أكتوبر الجديدة. وفيما يتعلق بعملية تخصيص الأراضي المطلوبة لإقامة المشروع، أشار الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، إلى إمكانية إعداد برنامج زمني محدد لعملية تنمية المنطقة، موضحًا أنه سيتم تخصيص الأراضي المطلوبة على مرحلتين، وفي حالة إثبات الجدية في المرحلة الأولى، سيتم الحصول على الأراضي اللازمة لتنفيذ المرحلة الثانية.
وصرح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، بأن الحكومة تلقت طلبًا من مجموعة «السويدي إلكتريك» لإنشاء منطقة صناعية جديدة بمدينة أكتوبر الجديدة، والتي من المخطط أن يتم تنفيذها عبر نظام المطور الصناعي، بالقرب من الميناء الجاف بمدينة الـ 6 من أكتوبر.
وبدوره، أوضح المهندس أحمد السويدي، الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لمجموعة «السويدي إلكتريك»، أن مشروع «إندستريا أكتوبر» من المخطط أن يكون أحد أكبر المدن الصناعية في مصر على مساحة 5 ملايين متر مربع، حيث ستتنوع استخدامات الأراضي بين الأنشطة الصناعية، واللوجستية والتجارية والإدارية والخدمية، وسيتم ربط المدينة مباشرة بميناء الإسكندرية عبر السكك الحديدية.
وأضاف السويدي أن مكونات المشروع تضم منطقة إدارية وخدمات، والمنطقة التجارية، والمنطقة الصناعية، ومنطقة المخازن، ومنطقة لوجسيتية، وغيرها، لافتًا إلى أن المشروع سيتم تنفيذه على 3 مراحل، ومن المتوقع أن يضيف سنويًا بعد إتمامه حوالي 5 مليارات جنيه إلى الناتج القومي المحلي بالإضافة إلى جذب استثمارات أجنبية ومحلية تبلغ قيمتها 20 مليار جنيه، فضلًا عن توفير أكثر من 150,000 فرصة عمل في مختلف الصناعات، وبناء وتنمية أكثر من 400 مصنع وحوالي 100 منشأة لوجستية وتجارية.
منطقة صناعية خضراء
أعلنت الهيئة العامة للتنمية الصناعية، في أبريل الماضي، عزمها إقامة أول منطقة صناعية خضراء بالتعاون مع «اليونيدو» تعتمد على الطاقة النظيفة وإعادة تدوير كامل مخلفات عمليات التصنيع بشكل يتسق مع مبدأ الاستدامة وحماية البيئة. وذلك تماشيًا مع استراتيجية الحكومة المصرية للتنمية المستدامة «رؤية مصر 2030»، ومستهدفات التحول للاقتصاد الأخضر والوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية.
أصبحت التنمية الصناعية الخضراء توجهًا عالميًا بهدف الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، والتي تؤدي إلى ارتفاع وتيرة التغيرات المناخية؛ حيث تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2030 سوف يصل حجم انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن القطاع الصناعي والكهرباء لنحو 14 جيجا طن، وفقًا لـ «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» (IPCC).
وقال عبد الكريم إن خطة الهيئة تشمل تهيئة مناخ الاستثمار الصناعي الجاذب وتحقيق التنمية المستدامة والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وتطوير المدن الصناعية المتخصصة ودراسة وتحديد الميزات النسبية للمحافظات من حيث الموقع والموارد الطبيعية لتحديد المناطق الصناعية الواعدة استثماريًا والقادرة على جذب الاستثمارات العالمية.