المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة: الطريق إلى الاستدامة

المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة: الطريق إلى الاستدامة

ترجمة: أمل عبدالوهاب 

 

ما المقصود بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة؟

كان عام 2020 بمثابة عام حاسم للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) التي تستهدف الاستثمار العقاري؛ حيث الاضطرابات المرتبطة بالمناخ وجائحة «كوفيد-19» وكذا الإدراك المتزايد لمخاطر عدم المساواة دفعت المستثمرين إلى تبني نهجًا أكثر قوة تجاه المخاطر المرتبطة بالاستدامة.

وبالأخذ في الاعتبار الدور الهام الذي يلعبه مفهوم المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في الوقت الراهن وذلك بخصوص كيفية إدارة الشركات، أصبح المستثمرون يدمجون اعتبارات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في جميع مراحل دورة حياة العقار؛ بدءًا من أعمال الفحص النافي للجهالة لعمليات الاستحواذ ومن الإيجار إلى إدارة الأصول. ولذا يكرس المستثمرون العقاريون مزيدًا من التفكير لضمان عبور محافظ أعمالهم الأزمات المستقبلية.

المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في القطاع العقاري

يزداد الضغط على ملاك المباني والمشغلين والسكان لتقليل بصمتهم الكربونية حيث تساهم الأعمال التشغيلية «الطاقة المستخدمة في توليد الحرارة والتبريد وإضاءة المباني» بانبعاثات تبلغ 28% من إجمالي انبعاثات الكربون عالميًا، وكذا تستهلك الانبعاثات المجسدة «مواد البناء وعمليات التشييد أثناء دورة حياة المبنى بالكامل» نسبة إضافية تبلغ 11%.

على الرغم من عدم إتيان الجهود الرامية إلى خفض الكربون عوائد استثمار أكبر بالضرورة، فإنها تؤدي دورًا رئيسيًا في حفظ قيمة الأصول؛ إذ يتجنب السكان بشكل متزايد العقارات ذات الأداء البيئي المنخفض. ونتيجة لانجذاب السكان والمستثمرين نحو العقارات الأكثر استدامة، فإن قيمة تلك الأصول سترتفع أكثر.

على الرغم من أن شهادات اعتماد الاستدامة البيئية مثل شهادة «الريادة في الطاقة والتصميم البيئي – LEED» وشهادة «برايم -BREEAM »  وشهادة «النظام الوطني الأسترالي للتصنيف البيئي للمباني – NABERS» ستظل مقاييس هامة للأداء البيئي للمباني، يتحول التركيز نحو مبادرات مثل المبادرة الصادرة عن المجلس العالمي للأبنية الخضراء والتي تستهدف الوصول بصافي الانبعاثات الكربونية في المباني إلى مستوى الصفر بحلول عام 2050.

ومن المبادرات الأخرى، حملة الأمم المتحدة «السباق إلى الصفر»، وهي مبادرة عالمية تسعى لحشد الشركات والمدن والمناطق والمؤسسات التعليمية والمالية لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030، وقد وقع بالفعل عدد من الأطراف يمثل نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

اعتبارات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة للمستثمرين العقاريين

وبالأخذ في الاعتبار الدور الهام الذي تؤديه المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الآن وذلك بخصوص كيفية إدارة الشركات، أصبح المستثمرون يدمجون اعتبارات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في جميع مراحل دورة حياة العقار؛ بدءًا من أعمال الفحص النافي للجهالة لعمليات لاستحواذ ومن الإيجار إلى إدارة الأصول. أدرك مستثمرو القطاع العقاري كذلك أهمية إدارة المخاطر المرتبطة بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة.

أما الصناعة، وهي مساهم رئيس لانبعاثات الكربون ونادرًا ما يتم الاحتفاء بها باعتبارها مساهمًا إيجابيًا في المجتمع، فقد تعرضت لانتقادات في الماضي نظرًا لتقدمها البطيء في هذا المجال. ومن المتوقع أن يضمن مطورو أو مشترو أو مديرو العقارات تلبية مبانيهم للمعايير البيئية وكذا تركها أثرًا اجتماعيًا إيجابيًا وعمل مساهميها بطريقة مسؤولة.

مواد البناء الخضراء

تسهم صناعات البناء والتشييد بما يقرب من 40% من انبعاثات الكربون العالمية السنوية، وتسهم كل من صناعة الخرسانة وحديد التسليح بحوالي 5% من تلك الانبعاثات.

أما البدائل المتاحة، مثل الخشب، فإنها أكثر صداقة للبيئة لأنها تحتجز الكربون. وبمقارنة مبنى حديدي أو خرساني متوسط يولّد انبعاثات تتراوح ما بين 1,000 إلى 2,000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون أثناء عملية البناء، يُلاحظ أن المباني الخشبية تقلل الانبعاثات عن طريق احتجاز 2,000 إلى 4,000 طن من ثاني أكسيد الكربون.

تتفاوت تكاليف بناء المباني الخشبية وفقًا لنوع العقار، ولكن في المتوسط قد تتطابق التكلفة أو تقل مقارنة بالمواد التقليدية. المباني الخشبية موفرة للمال لا شك ويمكنها تقليل الوقت المستهلك في البناء بشكل كبير بفضل عملية التصنيع المسبق.

كيف تعمل القروض المتوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة؟

يُعاد هيكلة القروض المصرفية بسرعة لتشمل بنود الاستدامة. يشجع المقرضون، الذين وجدوا علاقة بين الإقراض المتوافق مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والاستدامة، المقترضين لتحويل عالمنا إلى عالم مستدام. يشير الإقراض المتوافق مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة إلى القروض الممنوحة لتمويل الأغراض العامة المرتبطة بأداء المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة بواسطة المقترضين.

ومن ثم، تعمل مثل هذه الأنواع من القروض من خلال تحسين الهوامش. يرتبط هامش القرض بأداء المقترض فيما يتعلق بالمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة؛ حيث تُدرج الجهة المانحة للقروض المتوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة بنودًا أو عهودًا يتعين على المقترض تحقيقها. وفي حال نجاح المقترض في تحقيق أهداف مؤشرات الأداء الرئيسية التي حددها المُقرض سلفًا، فسيخصم تكلفة تسعير القرض، أما في حالة عدم تحقيق هذه الأهداف، فسترتفع تكلفة تسعير القرض. ومع ذلك، يخطئ العديد بين القروض الخضراء والقروض المتوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة؛ حيث تستخدم الشركات المصطلحين للإشارة إلى «الاستدامة».

القروض المتوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والقروض الخضراء.. هل هناك فرق؟

إن الهدف الأساسي للقروض المتوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والقروض الخضراء هو تحقيق الاستدامة. على الرغم من تداول المصرفيين المصطلحين، فإن القروض المتوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة تصدر بهدف تحسين أداء المقترضين فيما يتعلق بجوانب المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، بينما يتم إصدار القروض الخضراء بهدف تمويل «المشاريع الخضراء» فقط، ويتمحور التركيز حول عامل واحد فقط ألا وهو البيئة.

ما أهمية الإقراض المتوافق مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة للسوق العقاري؟

أنعش الإقراض المتوافق مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والإقراض الأخضر والاقراض المستدام القطاع العقاري بشكل ملحوظ في أوروبا، في إشارة إلى أن الدول الأوروبية تعد بمثابة المحرك الرئيسي للاحترار العالمي. تساهم المباني بنسبة تبلغ 40% من استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يحث صناع السياسات على تقليل انبعاثات الكربون.

في المملكة المتحدة، تصنف شهادات أداء الطاقة المباني على مقياس يتراوح من (A) إلى (G)؛ حيث (A) يشير إلى الأكثر كفاءة، في حين (G) يشير إلى الأقل كفاءة، وبحلول عام 2023، سيجرم «القانون» وجود مبنى مصنف (F) أو (G). ويُتوقع أن تمنع هولندا بقاء المباني المصنفة (C) أو دونه.

لتحقيق أهداف الاستدامة، يمر السوق العقاري بأوروبا بموجة من التحول، مما يتطلب من المستثمرين وملاك العقارات بالسماح بإشغال العقارات من منظور الامتثال للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة وستكون هناك حاجة إلى تجديد ما يمثل 60-75% من المباني، وهو ما يعني الحاجة إلى رأس مال يقدر بإجمالي 160-200 مليار يورو.

وهنا سيبرز دور الإقراض المتوافق مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة والإقراض الأخضر؛ حيث ظلت البنوك هي المشارك المسيطر في سوق الائتمان بالاتحاد الأوروبي.

لوائح الاتحاد الأوروبي الهادفة إلى دعم المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة

تم وضع العديد من السياسات لتنظيم الإقراض المتوافق مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة على مر السنين. ويشمل ذلك لائحة الإفصاح عن التمويل المستدام (SFDR)؛ حيث تميل العديد من الشركات إلى تطبيق «الغَسْل الأخضر» لأنشطتها. وبموجب هذه اللائحة، يتعين على جميع مديري وملاك الأصول الإفصاح عن تأثير مخاطر الاستدامة على استثماراتهم وكذا الأثر السلبي لاستثماراتهم على عوامل الاستدامة.

تم صياغة لوائح التصنيف؛ المسار إلى علامات المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة. ونظرًا لمساهمة المباني في الاتحاد الأوروبي بنسبة تبلغ 36% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وضعت لوائح التصنيف هذه لتوضيح الأمور الخاصة بالأنشطة الاقتصادية التي توصف «بالخضراء». تعد قواعد التصنيف هذه ذات أهمية خاصة للسوق العقاري التجاري؛ لأنها تسمح بتصنيف المبنى باعتباره «مبنى أخضر». لكن الهدف الرئيسي يتمثل في تحسين إسهام القطاع العقاري في تحقيق أهداف المناخ الخاصة أوروبا من خلال تحويل المباني القائمة وتشييد مبانٍ جديدة بما يتماشى مع معايير صافي انبعاثات الكربون.

وامتثالًا للوائح التصنيف هذه، على المقرضين والمقترضين التحلي بالشفافية في الإفصاح عن الأنشطة الخضراء، وعلى المقرضين توخي المزيد من الحذر عند اتخاذ قرار بشأن مؤشرات الأداء الرئيسية لقياس أداء المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة الخاصة بالمقترضين.

ثمة لائحة أخرى تم صياغتها وهي «Fit For 55»، وهي لائحة تهدف إلى جعل المباني في دول الاتحاد الأوروبي مناسبة لمستقبل أكثر اخضرارًا من خلال تقليل انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 55% (مقابل مستويات 1990) بحلول عام 2030 والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050. وبموجب هذا التوجيه، يتعين على مديري العقارات أو مالكي الممتلكات مراعاة أداء الطاقة في المباني واستخدام الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة وتجنب استخدام الوقود الملوث.

القروض المتوافقة مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في مصر

تعمل البنوك المصرية جاهدة لتحقيق الاستدامة. وقد تمكن بنكان فقط في منطقة الشرق الأوسط ومقرهما مصر أن يكونا أحد المؤسسين الموقعين لمبادئ الأمم المتحدة للصيرفة المسؤولة. هذا وكانت الحكومة المصرية أيضًا من بين أوائل الحكومات التي أدخلت استراتيجية للتنمية المستدامة في أعقاب اتفاقية باريس 2015، وكذا كانت من أوائل المصدرين للسندات الخضراء.

أيضًا، فإن استضافة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ «COP27» ركزت بشكل واضح على عقلية صناع السياسات ومديري الصناعات في مصر. وفي يوليو 2020، أصدر البنك المركزي المصري مبادئ إرشادية للتمويل المستدام تغطي العديد من الموضوعات، بما في ذلك بناء القدرات وإشراك أصحاب المصلحة وإدارة مخاطر المناخ.

أما اللوائح الجديدة فهي تعكس حقيقة أن الاستدامة قضية عامة. ومن ثم، على البنوك تعزيز محافظها الخضراء وتقديم منتجات تمويل مستدامة وتقييم المخاطر البيئية في المشاريع. يتعين على المقرضين أيضًا وضع سياسات وإجراءات جديدة وإنشاء إدارات جديدة للتمويل المستدام وتوظيف كوادر بها وكذا إعداد ونشر تقارير استدامة سنوية. ومن المقرر بدء عملية إعداد تقارير الاستدامة ونشرها في عام 2024، بينما تنتهي المهل الزمنية الممنوحة لوضع السياسات وتقديم أدلة تثبت التقدم الحاصل هذا العام.

لا تزال البنوك في مرحلة توضيح بعض القواعد مع الجهة المنظمة، لكن التغيير الذي حدث في طريقة التفكير على مدار السنوات القليلة الماضية يشير إلى أن البنوك المصرية ليست على أهبة الاستعداد. أحرزت العديد من البنوك تقدمًا كبيرًا في التعريف بالاستدامة. على سبيل المثال، أصبح البنك التجاري الدولي (CIB) أحد الأعضاء المؤسسين لتحالف «مصرفيون من أجل انبعاثات كربونية صفرية (Net-Zero Banking Alliance (NZBA)) المدعوم من الأمم المتحدة، وهو كذلك البنك المصري الوحيد الذي أصدر سندات خضراء. وبالمثل، يخطو بنك «إتش إس بي سي مصر – HSBC Egypt» بشكل جيد نحو تحقيق أهداف الاستدامة؛ حيث أصبح لدى البنك متخصصين في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة ضمن فريقه المعني بمنظومة المخاطر. هذا وسيركز البنك كذلك على ضمان توافق إجراءات الاستدامة الحالية مع المتطلبات الجديدة للبنك المركزي المصري وسدداها لأي فجوة.

تسجيل الدخول

Welcome! Login in to your account

تذكرني فقدت كلمة المرور؟

لا تملك حساب Register

فقدت كلمة السر

Register