منذ بداية عام 2021، شهدت أسعار مواد البناء في مصر عدة قفزات مفاجئة، مقارنةً بالعام السابق، نتيجة عدة عوامل مؤثرة في السوق المحلي والعالمي، علاوةً على أن تبعات أزمة ارتفاع أسعار مواد البناء قد ألقت بظلالها على السوق العقاري المصري بشكل سلبي.
لقد سجلت أسعار مواد البناء ارتفاعًا كبيرًا خلال العام الجاري، وتراوحت هذه الزيادات من 13% إلى 51% بنهاية يونيو 2021 مقارنةً بالعام الماضي، وفقًا للتقرير الرسمي الصادر عن الإدارة المركزية للاحتياجات ومواد البناء، التابعة لوزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.
لذلك، أجرت «إنفستجيت» استبيانًا للوقوف على الأسباب الرئيسية التي دفعت أسعار مواد البناء في السوق المحلي المصري نحو الارتفاع، فضلًا عن تأثير ذلك على أسعار الوحدات العقارية بمختلف أنواعها خلال المستقبل القريب.
عوامل زيادة معدل الطلب على مواد البناء
هناك عدة عوامل تسببت في زيادة أسعار مواد البناء، مقسمة كالتالي: العوامل الخارجية والتي ترتبط بزيادة أسعار المواد الخام عالميًا، والعوامل الداخلية التي تتعلق بزيادة الطلب على مواد البناء في الفترة الأخيرة، إلى جانب استمرار الدولة في تنفيذ المشروعات القومية الضخمة.
لقد عانى سوق البناء والتشييد المصري من الركود خلال العام المنصرم، حيث أصدرت الدولة، في مارس 2020، قرارًا بحظر تراخيص البناء لمدة 6 أشهر، فضلًا عن أنه منذ بداية تفشي جائحة «كورونا» تم تعليق العمل واتخاذ التدابير الاحترازية والوقائية لمجابهة هذا الوباء، مما تسبب في تأخر تنفيذ المشروعات واضطراب سلسلة التوريد وانخفاض الإنتاج والنقص النقدي لدى أغلب الشركات، مما أحدث تأثيرات سلبية على أسعار مواد البناء خلال عام 2021.
وفي هذا الشأن، أفاد التقرير الصادر عن «إنفستجيت» بعنوان “صناعة التشييد والبناء تحرز تقدمًا ملحوظًأ في سوق العقارات رغم الأزمة الحالية”، في أبريل الماضي، بأن 69% من المشاركين في المسح، الذي أجراه فريق البحث والتحليل، أكدوا أن شركات المقاولات تعاني من العجز المالي والانخفاض الحاد في الأرباح بسبب الظروف القاسية الناتجة عن تفشي هذه الجائحة.
وأكدت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن قطاع التشييد والبناء انكمش بنسبة 9.1% في الربع الأول من عام 2020، وهو ما يمثل 91.35 مليار جنيه من الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
وفي سياق متصل، أكد البنك المركزي المصري أن هذه الصناعة تراجعت بنسبة 5.7% على أساس سنوي في الربع الثاني من عام 2020، قبل أن تتعافى ببطء في الربع الثالث من العام نفسه بنمو 2.6% على أساس سنوي.
لذلك، اتجهت بعض الشركات إلى تعزيز أرباحها وتعويض جزءًا من الخسائر التي طالتها عقب تفشي وباء «كورونا» خلال عام 2020، الذي كان له تأثيرًا عميقًا على الوضع المالي لتلك الشركات، وفي غضون ذلك، شهدت السوق المحلية ارتفاع أغلب أسعار مواد البناء الأساسية بشكل ملحوظ منذ بداية عام 2021.
وفي هذا الشأن، أشارت شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية إلى أن زيادة الأسعار ترجع إلى رغبة المصانع في تعظيم أرباحها خلال الفترة الحالية، بالإضافة إلى زيادة أسعار المواد الخام بالبورصات العالمية، حيث سجل سعر طن البليت بالبورصات العالمية نحو 700 دولار، وسعر طن الخردة نحو 502 دولار.
العوامل الأساسية لزيادة الطلب على مواد البناء:
- زيادة أسعار المواد الخام والتكاليف
خلال عام 2021، سجل سعر طن الحديد حتى يوليو الماضي، حوالي 14,800 جنيه، بمعدل زيادة في السعر بلغ 51% عن يونيو 2020، كما ارتفعت أسعار الأسمنت بنسبة 39%، بينما شهدت أسعار الزلط ارتفاعًا بلغ 15%، كما تباينت أسعار مواد البناء الأخرى منذ بداية العام الحالي، حسبما أفادت شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة التجارية.
يشار إلى أن مصر تنتج نحو 7.9 مليون طنًا من حديد التسليح، وحوالي 4.5 مليون طنًا بليت، بينما تستورد 3.5 مليون طنًا من خام البليت، حسبما أفادت غرفة الصناعات المعدنية، علاوةً على ذلك، هناك علاقة ارتباط قوية بين صناعة الصلب المصرية والسوق العالمية، لأن مصر تستورد مدخلات إنتاج هذه الصناعة من الخارج، لذلك فإن ارتفاع أسعار الخامات عالميًا سيؤثر بالطبع على الأسعار المحلية.
وعلى الجانب الآخر، أكد التقرير الصادر عن «إنفستجيت»، السابق ذكره، أن 56% من الشركات، التي شملها المسح، أشارت إلى أن حالة الطوارئ التي فرضتها أزمة «كورونا»، لن تسبب أي تقلبات في أسعار مواد البناء، بينما يعتقد 25% من المستجيبين أن هذه الخسائر ستؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الخام بسبب تقلبات العرض والطلب.
وفي سياق آخر، أشار أحدث استبيان أجرته «إنفستجيت» إلى أن 22.6% من المشاركين أكدوا أن زيادة أسعار المواد الخام والتكاليف في الفترة الأخيرة تعد أحد الأسباب الرئيسية لزيادة معدل الطلب على مواد البناء في السوق المحلية.
قبل ظهور أزمة «كورونا»، شهد قطاع التشييد والبناء المصري وتيرة نمو سريعة بمتوسط معدل نمو سنوي قدره 9.6% بين عامي 2016- 2019، وفقًا لـ «جلوبال داتا»، ويأتي ذلك بفضل المشروعات الكبرى التي تنفذها الدولة مثل المدن الجديدة والمشروعات القومية الضخمة وتطوير البنية التحتية بالبلاد.
ومن جانبها، أكدت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن جهود الدولة المتمثلة في مشروعات البنية التحتية والمدن الجديدة والطرق ساهمت في دعم قطاع التشييد والبناء ومساندته، وتنشيط الدورة الاقتصادية لمواجهة أزمة «كورونا».
وفي هذا السياق، أرجع 77.4%، من المشاركين في استبيان «إنفستجيت»، السبب الرئيسي إلى زيادة الطلب على مواد البناء في مصر خلال الفترة الماضية، إلى إنشاء المدن الجديدة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة.
تستعد مصر لدخول عصر المدن الذكية من خلال إنشاء 14 مدينة بمعايير تكنولوجية عالمية، بهدف إحداث طفرة كبيرة في صناعة العقارات، بما يحقق التطور التكنولوجي في إطار التحول إلى المجتمع الرقمي، كما تتبنى الدولة المصرية مخططًا استراتيجيًا للتنمية العمرانية، يستهدف زيادة مساحة المناطق المعمورة، وإنشاء التجمعات العمرانية والمدن الحضارية، حيث تم الانتهاء من العديد من مشروعات الإسكان والبنية التحتية والخدمات بمناطق توسعات التجمعات العمرانية القائمة.
علاوةً على ذلك، جارٍ تنفيذ العديد من المدن الجديدة في الوقت الحالي بجميع أنحاء الجمهورية مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة ومدينة الجلالة. كما تبلغ إجمالي مساحات التجمعات العمرانية الجديدة نحو380,000 فدانًا، ومن المخطط أن تستوعب نحو 14 مليون نسمة، كما بلغ إجمالي الاستثمارات بالمدن الجديدة القائمة حوالي 77 مليار جنيه، وفقًا لبيانات وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية.
توقعات بارتفاع أسعار العقارات
يتضح مما سبق أن ارتفاع أسعار مواد البناء سوف يتسبب في إحداث تغييرات واضحة في تكلفة بناء المشروعات التي تنفذها شركات التطوير العقاري حاليًا، مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الوحدات بمختلف أنواعها السكنية والتجارية والإدارية.
كما أن هناك توقعات لدى أغلب شركات التطوير العقاري تتعلق بارتفاع أسعار الوحدات السكنية خلال الربع الأخير من عام 2021 بنسبة تتراوح مابين 10 إلى 20% نتيجة لارتفاع أسعار مواد البناء.
وفي هذا الشأن، أفادت شعبة مواد البناء بالغرف التجارية بأن الزيادات التى شهدتها أسعار مواد البناء مؤخرًا، انعكست سلبًا على أسعار سوق العقارات التي ارتفعت بنسب تتراوح ما بين 20 و25%، بسبب زيادة تكلفة أسعار الأراضي ومواد البناء مثل حديد التسليح والأسمنت، إلى جانب الزيادة في حجم الطلب على الشراء بغرض السكن أو الاستثمار.
وفي سياق متصل، قال 73% من المشاركين في استبيان «إنفستجيت» الأخير، إن ارتفاع أسعار مواد البناء سيؤدي إلى زيادة أسعار العقارات خلال الفترة المقبلة، وعلى الجانب الأخر، يعتقد 27% منهم أن أسعار العقارات سوف تشهد استقرارًا نسبيًا.
وبناءً على ذلك سوف تشهد أسعار الوحدات العقارية ارتفاعًا خلال الفترة المقبلة، خاصًة بالمشروعات الحديثة، التي سيتم تنفيذها عقب الزيادات الأخيرة التي شهدتها أسعار الحديد والأسمنت ومواد البناء الأخرى، لذلك يجب على الشركات العقارية الموازنة بين وضع استراتيجات واضحة للأسعار لتجنب الخسائر الناتجة عن ارتفاع أسعار المواد الخام، إلى جانب توفير هذه الوحدات بأسعار ملائمة للعملاء.