في مصر، البنية التحتية لا تُعيد فقط رسم مسارات الحركة، بل تعيد رسم خريطة المعيشة والسياحة والاستثمار.
فمع ضخ أكثر من 2 تريليون جنيه في قطاع النقل بين عامي 2014 و2024، تسير البلاد بسرعة نحو تحول شامل. وبالنسبة لأولئك المتجهين إلى جواهر مصر الساحلية هذا الصيف، فإن الفارق أصبح أكثر من ملحوظ.
أعلن الفريق كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء ووزير النقل والصناعة، أن البلاد أنشأت 7,000 كيلومتر من الطرق الجديدة، وطورت 10,000 كيلومتر من الطرق الداخلية، وتعمل حاليًا على تحديث 10,000 كيلومتر أخرى من خطوط السكك الحديدية، وكلها تشكل شرايين لمصر أكثر ترابطًا.
طرق سريعة نحو الساحل
لا يظهر هذا التغيير في أي مكان أكثر وضوحًا مما هو عليه على السواحل المصرية الشهيرة. فقد أدى الانتهاء من طريق وادي النطرون – العلمين (135 كلم) وتوسعة طريق السويس/العين السخنة (60 كلم) إلى دعم مباشر لحركة المرور الصيفية إلى وجهات مثل العلمين والسخنة ومرسى مطروح. لكن هذه الطرق تخدم أكثر من مجرد المصطافين؛ فهي تربط بين مراكز السياحة والمناطق الصناعية والزراعية، ما يسهّل حركة البضائع ويجعل أوقات السفر أكثر قابلية للتنبؤ.
كما يشهد الطريق الساحلي الدولي — الذي يمتد بطول 514 كلم ويربط مدن الشاطئ الشمالي — أعمال تطوير، وهو ما يعد دفعة قوية للسياحة والتجارة على حد سواء. في الوقت نفسه، يفتح ازدواج طريق السادس من أكتوبر/الواحات (270 كلم) ممرًا استراتيجيًا بين القاهرة والصحراء الغربية، مما يسهل الوصول إلى المدن الساحلية الناشئة.
لحظة “فيلارو”: التحول السريع في قطاع النقل
من المتوقع أن يشهد أغسطس 2025 لحظة فارقة، مع وصول أول قطار “فيلارو” فائق السرعة إلى مصر. القطار، الذي أنتجته شركة سيمنز موبيليتي، سيعمل على خط العين السخنة – العلمين – مرسى مطروح، والذي يمثل العمود الفقري لشبكة السكك الحديدية عالية السرعة الوطنية بطول 2,000 كيلومتر.
بسرعات تصل إلى 250 كلم/ساعة، سيُحدث “فيلارو” تغييرًا جذريًا في أوقات السفر بين سواحل البحر الأحمر والمتوسط. فعلى سبيل المثال، ما كان يستغرق ست ساعات أو أكثر بالسيارة يمكن إنجازه قريبًا في أقل من ساعتين، ما يسهل التنقل للسياح والمقيمين وشركات الشحن على حد سواء.
وصف كامل الوزير المشروع بأنه جزء من رؤية أوسع لنظام وطني متكامل يركز على التنمية الاقتصادية والعمرانية. والأرقام تدعم ذلك: برنامج تطوير السكك الحديدية الذي تبلغ قيمته 225 مليار جنيه يشمل شراء 110 قاطرات جديدة وتحديث نظم الإشارات بقيمة 50 مليار جنيه.
جعل مصر أكثر سهولة في الوصول طوال العام
بالنسبة للمسافرين المحليين، تمثل هذه التحديثات انفراجة حقيقية. فمناطق مثل غرب المنيا، وتوشكى، وجنات مصر، والواحات الشرقية — والتي كانت سابقًا صعبة الوصول — ستصبح جزءًا من شبكة التنقل اليومية. أما مرسى مطروح والعلمين، واللتان كانتا تُعدّان وجهتين صيفيتين موسميتين، فستصبحان الآن مؤهلتين للنشاط السياحي والتجاري طوال العام.
ومن المرجح أن يستفيد قطاع السياحة المحلية أكثر من غيره. فبدلًا من الاعتماد على الحافلات أو السيارات الخاصة، يمكن للمصطافين الآن التطلع إلى بدائل أسرع وأكثر أمانًا. ومع توفر الإنترنت اللاسلكي، والتكييف، والمقاعد الواسعة في القطارات، قد تصبح رحلات القطار منافسًا حقيقيًا حتى للرحلات الجوية الداخلية القصيرة من حيث الراحة والسهولة.
ما يعنيه ذلك للسياح الأجانب
أما بالنسبة للسياح الأجانب، فإن تطوير منظومة النقل في مصر بمثابة دعوة مفتوحة لاكتشاف المزيد دون عناء التنقل الداخلي المعقد. إذ يمكن للقادمين إلى القاهرة أو الإسكندرية أو الغردقة الآن أن يتنقلوا بسهولة عبر أنحاء البلاد. ستتيح القطارات فائقة السرعة تنفيذ برامج سفر متعددة المدن، تربط بين الأقصر وأسوان وساحل البحر المتوسط في رحلة واحدة.
ويتوافق هذا مع استراتيجية مصر لجذب 30 مليون سائح سنويًا بحلول عام 2028. وتستعد شركات السياحة لطرح عروض سياحية متكاملة تشمل رحلات بالقطار، على غرار ما يقدَّم في أوروبا أو شرق آسيا. لم يعد من المستبعد أن تشمل عطلتك زيارة متاحف القاهرة، وشواطئ العلمين، ومعابد الأقصر — في غضون أيام قليلة، وبالقطار فقط.
مكاسب للشحن وتعزيز للاقتصاد
شبكة “فيلارو” ليست مخصصة لنقل الركاب فقط. بل تشمل أيضًا 41 قاطرة مخصصة لنقل البضائع، في خطوة تهدف إلى تعزيز موقع مصر في التجارة الإقليمية. فالمحاصيل الزراعية من “مستقبل مصر” أو “الدلتا الجديدة” ستصل إلى الموانئ بشكل أسرع. كما أن الواردات والمواد الخام ستُوزّع داخليًا بتأخير أقل، ما يوفر الوقت والوقود.
وترى الحكومة في هذا المشروع تحولًا استراتيجيًا في قطاع اللوجستيات. فمع 60 محطة ركاب، ومحطتين رئيسيتين للصيانة، وخمس ورش فنية، تمتلك المنظومة البنية الأساسية لتكون العمود الفقري الإقليمي للنقل والخدمات اللوجستية، تربط المناطق الصناعية الساحلية المصرية بالأسواق المحلية والدولية.
الجسور والطرق: الدور الداعم
تبقى مشاريع الطرق جزءًا محوريًا من الخطة. من تطوير طريق القاهرة/الإسكندرية الزراعي (180 كلم) إلى طريق بنها/المنصورة (73 كلم) وازدواج طريق نجع حمادي/سوهاج (45 كلم)، تُركّز الجهود على دعم الربط بين المحافظات.
ويشهد قطاع الكباري أيضًا طفرة. فهناك 11 كوبري جديدًا قيد الإنشاء، بما في ذلك أربعة معابر جديدة على نهر النيل في أسوان، وأسيوط، وبني سويف، وسبعة أخرى في قنا، وسوهاج، والجيزة. ومن بين المشاريع الجارية أيضًا كوبري طريق العياط/بني سويف وثمانية كباري أخرى على امتداد محور القاهرة/الإسكندرية، ما يسهم في تخفيف الازدحام وتحسين الأمان.
التحول الوطني نحو النقل الأخضر
يتبنى مسؤولو النقل أيضًا مسارًا بيئيًا من خلال التوسع في مشاريع المترو والمونوريل، والحافلات الكهربائية، والسيارات الكهربائية. ويهدف هذا التحول إلى تقليل التلوث والاعتماد على الوقود الأحفوري. وقد أشارت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، إلى أن هذا التوجه يُعد عنصرًا أساسيًا في “رؤية مصر 2030”.
وتكشف الأرقام عن حجم هذا التحول: من المتوقع أن تستوعب أنظمة المترو والقطارات الكهربائية اليومية ما يصل إلى 8 ملايين راكب، في حين يُتوقّع أن تنقل خدمات السكك الحديدية 1.4 مليون راكب يوميًا. أما في قطاع البضائع، فتصل الطاقة السنوية إلى 11 مليون طن، في حين يُتوقّع أن تنقل الملاحة النهرية 8 ملايين طن سنويًا إضافية.
كما يُشجّع الاستثمار في القطاع الخاص عبر جميع مجالات النقل، بما في ذلك تصنيع المكونات المحلية للمركبات والقطارات، ما يُسهم في خلق فرص عمل وتقليل الاعتماد على الواردات.
مصدر إلهام إقليمي
بات التوسع في النقل بمصر يشكل معيارًا إقليميًا. فبكونها أول دولة أفريقية تُشغّل قطار “فيلارو” فائق السرعة، أصبحت مصر نموذجًا يُحتذى لكيفية تحديث الدول النامية لأنظمتها دون الاعتماد المفرط على الطيران أو البنية القديمة.
تتابع دول الجوار مثل المغرب وكينيا هذه التجربة عن كثب. وإذا نجح النموذج المصري، فقد يُطلق موجة من الاستثمارات المشابهة في أنحاء أفريقيا، بما يربط بين الأسواق والمدن والموانئ بطرق لم تكن ممكنة في السابق.