يعد سوق العقارات أحد القطاعات القليلة التي أثبتت أنها مازالت مستقرة، على الرغم من جميع الأحداث في أعقاب الانتفاضة السياسية في مصر عام 2011. وعلى الرغم من ذلك، ونظرًا لمرونة سوق العقارات، لا يزال هناك العديد من الصعوبات في جميع المجالات بالقطاع العقاري، ولا يزال المستثمرون يشعرون بالقلق إزاء الاقتصاد المصري بشكل عام، وقطاع العقارات بشكل خاص، لذلك تسلط “إنفستجيت” الضوء على الفرص والتحديات التي تواجه أي مطور يسعى للاستثمار في سوق العقارات المصري اليوم.
العوامل الإيجابية التي يجب مراعاتها:
أداء القطاع العقاري
في أعقاب ثورة 2011، استخدمت الحكومة المصرية استراتيجيات إصلاح مستمرة من أجل تحفيز بيئة العمل، بالإضافة إلى بذل جهود كبيرة لتعزيز القطاع العقاري في البلاد. في الواقع، يعد سوق العقارات أحد أسرع القطاعات نموًا في مصر، حيث بلغ إجمالي الاستثمارات ما يقرب من 80.45 مليار جنيه في العام المالي 2017/2018 ، بزيادة قدرها 44% مقارنة بـ 55.93 مليار جنيه في العام المالي 2016/2017. ويذكر أن الاستثمارات الخاصة في القطاع قد تضاعفت إلى 62.57 مليار جنيه في السنة المالية 2017/2018، مقارنة بـ 31.43 مليار جنيه في الفترة السابقة.
الطلب
يبدو أن محركات الطلب العامة على المدى الطويل، إيجابية بالفعل على الرغم من الاتجاه المتزايد نحو المضاربة في السوق، مما يجعلها جذابة لمطوري العقارات السكنية وغير السكنية.
لقد بلغ عدد السكان في مصر أوائل 2018 نحو 96.3 مليون، 42.6 % منهم يعيشون في المدن، وذلك وفقًا للأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، في يوليو 2018. كما تظهر إحصاءات التعداد السنوي أن عقود الزواج سجلت 912.606 في عام 2017. ويرتبط بهذا فكرة أن العقارات قيمة آمنة، مما يزيد من الطلب القوي على الممتلكات، وخاصة في المدن الكبيرة.
ويجب الأخذ في الاعتبار الجانب الآخر وهو الطلاق: لأنه إذا انفصل الزوجان، سيحتاج أحدهما على الأقل إلى منزل جديد. وأظهر التعداد الأخير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن هناك 198.269 حالة طلاق في عام 2017، مع متوسط سن الطلاق بين 30-35 عامًا. بالإضافة إلى ذلك، يمثل المغتربين طلبًا محتملًا، حيث ارتفعت تحويلاتهم المالية بنسبة 3.1% بنسبة 25.5 مليار دولار أمريكي في عام 2018، مقارنة بـ 24.7 مليار دولار أمريكي في عام 2017، وذلك وفقًا للأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري.
وعلى الجانب الآخر، تشير أحدث الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي إلى أن عدد الوحدات المبنية بلغ 317.200 وحدة في السنة المالية 2016/2017 ، مقارنة بـ 263.500 وحدة في العام السابق. كل هذا يعني أنه لا يزال هناك خلل بين العرض والطلب في مصر، مما يعطي مجالًا للمطورين العقاريين لتقديم المزيد من الوحدات في السوق.
المدن الجديدة
إن المستثمرون لا يمتلكون ضواحي القاهرة فقط على حدودها الشرقية والغربية للتوسع في الأعمال في الوقت الحاضر، ولكن الآونة الأخيرة تم إدخال مجموعة من المدن الجديدة لإعادة تحديد الخريطة الجديدة لمصر. وكشفت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، في سبتمبر 2018، عن خططها المستمرة لتطوير 20 مدينة جديدة من الجيل الرابع على مساحة إجمالية تبلغ 580.000 فدان لاستيعاب 30 مليون مواطن.
وفي حوارٍ خاصٍ مع “إنفستجيت” في فبراير الماضي، قال الدكتور وليد عباس، معاون وزير الإسكان لشئون هيئة المجتمعات العمرانية، أن أعمال الإنشاء مستمرة في الـ 20 مدينة الجديدة، كما أن الهيئة ستفتتح المراحل الأولى بحلول نهاية عام 2019″. وتشمل هذه المدن العاصمة الإدارية الجديدة، والفشن الجديدة، وملاوي الجديدة، وغرب ناصر، وغرب أسيوط، وسفنكس الجديدة، والعبور الجديدة، والعلمين الجديدة، والمنصورة الجديدة.
الإصلاحات التشريعية التنظيمية
بدأت الحكومة المصرية أجندة إصلاح مدعومة بقرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، الذي تمت الموافقة عليه في نوفمبر 2016. وكانت الخطوة الأولى في أجندة الإصلاح هي إصدار القانون رقم 72 لعام 2017، المعروف باسم قانون الاستثمار في مايو 2018.
ويوفر التشريع الجديد عدة حوافز، مثل التخفيضات الضريبية للاستثمارات في المناطق التي مازالت تحت التطوير، والإعانات لشراء الأراضي الصناعية، واستعادة المناطق الحرة للقطاع الخاص. كما يهدف القانون أيضًا إلى تبسيط وتيسير أعمال المستثمر وتعزيز المزيد من الاستثمارات العقارية، وذلك من خلال تسريع تخصيص وإصدار الموافقات والتصاريح والتراخيص المطلوبة.
يذكر أن خالد عباس، أعلن في فبراير الماضي، في بيانٍ رسمي، “هناك تقدم في إصدار التراخيص والقرارات الوزارية لأي مشروع عقاري”. بالإضافة إلى ذلك، يعمل البرلمان أيضًا على قانون جديد من شأنه تنظيم نشاط التطوير العقاري من خلال كبح جماح مطوري برامج العقارات، وإنشاء اتحاد برعاية الدولة معترف به للمطورين، وإنشاء صندوق ضد المخاطر المتعلقة بقطاع العقارات، وكل ذلك من أجل الحفاظ على صناعة العقارات التي تعتبر ملاذًا آمنًا لاقتصاد البلاد.
الصادرات العقارية
لقد كانت الدولة تعمل عن كثب مع القطاع الخاص من أجل تعزيز وترويج العقارات في الخارج، وكشف خالد عباس، في المائدة المستديرة بعنوان “الإسكان الفاخر والشقق الفندقية”، التي نظمتها “إنفستجيت” في 30 يناير، “أن الدولة تهدف لتحقيق 4 مليارات دولار من الصادرات العقارية في غضون ثلاث سنوات”.
وجاء ذلك قبل أيام من قرار الدكتور عمرو نصار، وزير التجارة والصناعة، بتفعيل مجلس التصدير العقاري، برئاسة هشام شكري، الرئيس التنفيذي لمجموعة “رؤيا”، إلى جانب بعض أعضاء مجلس الإدارة، من بينهم، فتح الله فوزي، مؤسس مجموعة “مينا”، وأحمد شلبي، المدير التنفيذي وعضو مجلس الإدارة لشركة “تطوير مصر”، وعمرو القاضي، الرئيس التنفيذي لشركة “سيتي إيدج” للتطوير العقاري، ووليد مختار، الرئيس التنفيذي لشركة “إيوان” للتطوير.
علاوة على ذلك، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، يتم توحيد مطورو العقارات من القطاعين العام والخاص في جناح واحد، حيث قاموا بجولة في العام الماضي في عدد من المعارض الإقليمية والدولية، مثل “سيتي سكيب” و “MIPIM 2019″، لترويج المنتجات العقارية في الخارج، وذلك ضمن تسويق البلاد كوجهة استثمار مثالية في إفريقيا.
ومن ناحية أخرى، لقد أقامت مصر المعارض الخاصة بها والمخصصة فقط لتسويق المنتجات العقارية القائمة في مصر للأسواق الخارجية، مثل معرض مصر العقاري في لندن ومعرض النيل للعقارات في أبو ظبي، مما ساهم في مبيعات تقدر بـ 1.1 مليار جنيه في ثلاثة أيام فقط في 2017.
التنمية المشتركة
من أجل تعزيز وزيادة مشاركة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، بدأت الحكومة، ممثلة في هيئة المجتمعات العمرانية، في تقديم أراضي للتنمية المشتركة بموجب اتفاقيات مشاركة الإيرادات مع مطوري القطاع الخاص، أو الشراكات بين القطاعين العام والخاص، في تبادل للحصول على حصة من الإيرادات أو الحصة العينية.
وتضمنت المرحلة الأولى من شراكات القطاعين العام والخاص، اتفاقات موقعة لخمس قطع أراضي تبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 5027 فدان، في حين شهدت المرحلة الثانية تخصيص حوالي 2568 فدان، وبالنسبة للمرحلة الثالثة، تخطط الحكومة لتقديم 20 قطعة أرض في تسع مدن جديدة.
وأثبتت آلية الشراكة نجاحها، كما ساعدت المطورين على زيادة العروض وتقديم أسعار أفضل واستهداف قاعدة أوسع من العملاء، مع تقليل الضغوط المالية لأسعار الأراضي على ميزانية المطورين.
انتعاش السياحة
هناك بعض علامات الانتعاش على السياحة في مصر، نظرًا للظروف الأمنية المستقرة، بالإضافة إلى زيادة القوة الشرائية للسائحين بعد تعويم الجنيه، حيث تظهر الأرقام الرسمية للحكومة أن إيرادات السياحة قد قفزت بنسبة 123% ما يبلغ حوالي 9.8 مليار دولار في السنة المالية 2017/2018، مقارنة بـ 4.4 مليار دولار في السنة المالية 2016/2017.
ومن المتوقع أيضًا، أن يشهد القطاع مزيدًا من الأداء الإيجابي مع افتتاحات جديدة ملحوظة مثل المتحف المصري الكبير ومطار سفنكس الدولي، مما سيسهل حركة الطيران الداخلية ويوفر سهولة الوصول إلى الأماكن السياحية.
ويجب أن ينعكس هذا بشكل إيجابي على القطاع العقاري من خلال تشجيع المستثمرين الجدد على دخول السوق، مع حث المطورين الحاليين على تنويع أنشطتهم والتوسع خارج القطاع السكني في قطاع الفنادق.
ومن ناحية أخرى، لا يؤدي دمج الموارد السياحية والترفيهية في المشروعات العقارية إلى زيادة قيمة العقارات المحيطة فقط، بل يؤدي أيضًا إلى زيادة نوع العملاء الذين يجتذبونهم، وهي استراتيجية جديدة يتبعها كلاً من الحكومة والمطورون مؤخراً. وهناك فائدة أخرى وهي أن ذلك سيساعد في تحويل المناطق الساحلية إلى وجهات على مدار السنة، وهو الهدف النهائي الذي تسعى إليه الحكومة لتعزيز السياحة.
التحديات التي تواجه القطاع العقاري والتي يجب التغلب عليها:
أسعار الأراضي ومواد البناء
لا يزال المطورون العقاريون يعانون من ارتفاع أسعار الأراضي التي تقدمها هيئة المجتمعات العمرانية، لأنها تثقل ميزانيتهم المالية وجدوى المشروعات، كما أنها تمثل عبئًا على الأرباح. كما أن النقص في الأراضي ذات الأسعار المعقولة، جعلها أقل قابلية للتطبيق، لأنها لا تساعد المطورين من جني الأموال من التطورات المنخفضة.
إن الدافع الرئيسي وراء هذا الارتفاع هو عدة عوامل، مثل تكلفة البنية التحتية العامة للأراضي. بالإضافة إلى ذلك، فإن عروض المطورين التنافسية العالية على الأراضي التي تقدمها الحكومة بموجب مخطط الشراكة بين القطاعين العام والخاص تزيد من ارتفاع أسعار الأراضي.
ومن بين الأسباب أيضًا هو ارتفاع مواد البناء، مع ذات النسبة المئوية لزيادة التضخم. وهذا يثير التساؤلات حول قدرة المطورين على تمرير هذه الزيادات في الأسعار الجديدة للعملاء النهائيين مع الحفاظ على هوامش ربحهم.
التمويل
أطلق البنك المركزي المصري، في فبراير 2014، مبادرة التمويل العقاري من أجل تقديم تمويل طويل الأجل لمدة قد تصل إلى 20 عامًا، بمعدل فائدة يتراوح بين 5 و7
% لذوي الدخل المنخفض و8 % للإسكان الخاص بمتوسطي الدخل، قبل طرحه لاحقًا لفئة الطبقة العليا-المتوسطة بفائدة 10.5 %.
ولقد خصص البنك المركزي المصري 10 مليارات جنيه للمرحلة الأولى من المبادرة في عام 2014، ثم رفع إجمالي التمويل إلى 20 مليار جنيه في عام 2017. وعلى الرغم من ذلك، في أوائل عام 2019، قرر البنك المركزي الحد من تقديم تمويل الرهن العقاري للمواطنين ذوي الدخل المنخفض فقط، بأسعار فائدة تتراوح من 5 إلى 7% لمدة أقصاها 20 عامًا.
وعلى الرغم من أن الحكومة قد اتخذت تدابير لدعم نمو صناعة الرهن العقاري، إلا أن هناك تغلغلًا منخفضًا في قطاع التمويل العقاري بسبب عدم قدرة مزودي الرهن على الاستفادة من الطبقات ذات الدخل المتوسط والعالي.
وهذا يجعل المطورين يلعبون دور البنك في كثير من الحالات من حيث توفير التسهيلات التمويلية لعملائهم، مثل الدفعات المنخفضة أو “الصفر”، وخطط السداد الممتدة التي تصل إلى 12 عامًا مع الحد الأدنى أو بدون معدلات فائدة في بعض العروض. وفي المقابل، أثر ذلك جزئيًا على سيولة المطورين، وبالتالي تقدم تنفيذ المشروعات وتسليمها، وكذلك خطط التوسع.
ومن ناحية أخرى، يعتمد معظم المطورين الآن على التمويل الذاتي لمشروعاتهم من خلال المبيعات خارج الخطة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
بيئة الاقتصاد الكلي
لا تزال بيئة الاقتصاد الكلي تؤثر على مطوري العقارات في مصر. هناك حالة من عدم الاستقرار والتباطؤ في القوة الشرائية للمستهلك بسبب المضاعفات التي نشأت عن انخفاض قيمة العملة وخفض الدعم عن النفط والكهرباء والغاز.
بالإضافة إلى قرار الحكومة بتخفيض دعم الوقود بموجب ميزانية 2016/2017، فقد شهدت زيادة في أسعار العقارات بمعدل 15-20%، وهي نفس النسبة المئوية للارتفاع في معدلات التضخم.
وفي هذا الصدد، يظل بناء الوحدات لفئة الدخل المنخفض بربح يشكل تحديًا كبيرًا للمطورين، وبالتالي، بدأ معظمهم في المنافسة لتلبية احتياجات القطاع الأعلى من المجتمع، والذي يمثل 14.1% فقط من السكان المصريين، وذلك على أساس محسوب حول تجزئة مستخدمي الكهرباء حسب مستويات الاستهلاك كما نشرتها بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017.
وختامًا، تضع الحكومة العديد من الخطط على الطاولة التي تهدف إلى حل مثل هذه القضايا، ولكن من المرجح أن تستمر على المدى القصير. ولكي تتكشف هذه التحديات في وقت أقرب، يحتاج القطاع الخاص إلى العمل عن كثب مع الحكومة بما يتوافق مع الرؤية الخاصة به. كما يجب توجيه الجهود المشتركة نحو عدة نطاقات، مثل توفير الأراضي بأسعار معقولة للمطورين من القطاع الخاص، وتعزيز كفاءة تمويل الرهن العقاري، وتسهيل حلول التمويل لضمان المزيد من الخيارات المستدامة لمطوري الاستثمار.