باتت شهادات الكربون أداة مهمة لتمويل مشروعات الطاقة المستدامة وتقليل تأثيرها على التغيرات المناخية، وآلية قوية ضمن الجهود المبذولة للحد من الانبعاثات الكربونية والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، من جانب الدول أو الشركات، والاستثمار بالحلول الصديقة للبيئة، حيث يجرى تداول هذه الشهادات الكربونية في بعض الدول، على غرار شراء وبيع الأسهم والسندات المالية.
فتداول شهادات الكربون؛ هو نظام يسمح للشركات بشراء وبيع أرصدة الكربون المرتبطة بحجم انبعاثاتها، مما يوفر حافزًا ماليًا للحد من التلوث، ويسمح للشركة بإصدار كم محدد من الانبعاثات، يجري تمثيلها في أرصدة يساوي كل منها طنًا واحدًا من ثاني أكسيد الكربون، وتجاوز هذا الحد من الانبعاثات سيتطلب منها شراء المزيد من الأرصدة.
بينما أولئك الذين يخفضون الانبعاثات يمكنهم بيع المتوفر لديهم من أرصدة الانبعاثات لتحقيق الربح، ويعتمد المبلغ الذي يتعين على الشركة دفعه لتجاوز سقف الانبعاثات الخاص بها على السوق، حيث تحدد ديناميكيات العرض والطلب سعر ائتمانات الكربون.
لقد فرضت دول عديدة آليات لتسعير الكربون، لتشجيع الشركات والقطاعات على خفض الانبعاثات، وتسعى «إنفستجيت» من خلال هذا التقرير إلى إلقاء الضوء عليها:
الصين تطلق «سوق الكربون»
أطلقت الصين سوق تداول الكربون رسميًا في 16 يوليو 2021، وذلك في إطار خططها المناخية لخفض الانبعاثات، والوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وإدراكًا منها للمخاطر التي يشكلها الاحتباس الحراري على البيئة والمجتمع، حيث تنوي هذه الدولة الآسيوية العملاقة التي تعد أكبر مستثمر في الطاقات الجديدة، أن تكون من البلدان الرائدة في العالم في قضية المناخ.
وعمليًا؛ سيجبر سوق الكربون الصيني آلاف الشركات في البلاد على تقليل انبعاثاتها المسببة للتلوث وإلا ستتكبد خسائر اقتصادية.
السعودية تؤسس شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية
أعلن صندوق الاستثمارات العامة عن تأسيس شركة سوق الكربون الطوعي الإقليمية، بملكية 80% للصندوق، و20% لمجموعة «تداول السعودية القابضة»، وتهدف الشركة لدعم الشركات والقطاعات في المنطقة لتمكينها من الوصول إلى الحياد الصفري، بالإضافة إلى ضمان شراء أرصدة الكربون لتخفيض الانبعاثات الكربونية في سلاسل القيمة.
كما أعلن عن تأسيس منصة طوعية لتداول شهادات الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعد هذه المنصة أحد الممكنات لتحقيق أهداف آلية السوق لتعويض وموازنة غازات الاحتباس الحراري.
ويأتي هذا الإعلان تماشيًا مع طموحات وأهداف المملكة المناخية التي تتمثل في الإسهامات المحددة وطنيًا، التي تستهدف تقليل الانبعاثات بمقدار 278 مليون طن سنويًا من الكربون المكافئ بحلول عام 2030، إضافة إلى الوصول للحياد الصفري بحلول عام 2060، وانضمامها إلى مبادرة التعهد العالمي بشأن الميثان لخفض الانبعاثات العالمية لغاز الميثان بنسبة 30% بحلول عام 2030.
وفي هذا الشأن، أكد ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ورئيس مجلس إدارة شركة «أرامكو السعودية»، خلال منتدى مبادرة السعودية الخضراء بمؤتمر المناخ «COP27»، أن مبادرة السوق الطوعية لتداول الائتمان الكربوني، وهي المبادرة الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، شهدت أكبر مزاد لائتمان الكربون في العالم؛ حيث تم بيع 1.4 مليون طن من شهادات ائتمان الكربون إلى 15 جهة سعودية وإقليمية، كما أننا أول صندوق ثروة سيادي يصدر سندات خضراء، وهي أيضًا أول سندات خضراء في التاريخ تمتد لـ 100 عام.
الإمارات تطلق أول بورصة إلكترونية لتداول أرصدة الكربون
أعلن سوق أبو ظبي العالمي، عن تعاونه مع (AirCarbon Exchange) «ACX» لإطلاق أول بورصة إلكترونية في العالم لتداول أرصدة الكربون وغرفة المقاصة الخاصة، حيث من المقرر أن يصبح سوق أبو ظبي العالمي هو أول سلطة قضائية على مستوى العالم، تنظم أرصدة الكربون كسلع لتجارة أرصدة الكربون وتعويضات الانبعاثات، وإصدار تراخيص التداول لتشغيل أسواق السلع فورية الدفع ومشتقات السلع.
وسيتيح الإطار التنظيمي للشركات بتداول وتمويل تجارة الكربون كما هو الحال مع تداول الأصول المالية التقليدية، وبالتالي زيادة نسبة المشاركة والاستثمار في برامج الحد من الكربون وتعويضه.
في هذا السياق، قال أحمد جاسم الزعابي، رئيس مجلس إدارة سوق أبو ظبي العالمي، إن إطلاق هذه البورصة الجديدة، يعد إنجازًا عالميًا مهمًا يضاف إلى رصيد إنجازات أبوظبي، حيث تعزز هذه المبادرة التزام سوق أبو ظبي العالمي، والتأكيد على جهوده المستمرة للارتقاء بمكانته كمركز مالي دولي رائد ومحور عالمي المستوى للأسواق تداول السلع والكربون، وباعتبارها أول دولة في المنطقة تعلن التزامها بتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، فإن منصة التداول الجديدة تعد امتدادًا إضافيًا لمساعي إمارة أبو ظبي لدعم طموحات الاستدامة، وتؤكد تركيز سوق أبوظبي العالمي على تحقيق الحياد الكربوني.
مصر تتصدر السوق الإفريقي لشهادات الكربون
أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، مؤخرًا، قرارًا بتعديل اللائحة التنفيذية للقانون الخاص بسوق رأس المال، وإنشاء سوق طوعي داخل البورصة المصرية يختص بتداول «شهادات خفض الانبعاثات الكربونية». ووفقًا للقرار سيتم تشكيل لجنة بقرار من مجلس إدارة الهيئة بالتنسيق مع وزارة البيئة، تضم في عضويتها ممثلين عن الجهات المعنية، تسمى «لجنـة الإشـراف والرقابـة علـى وحدات خفض الانبعاثات الكربونية».
وأكد مدبولي أن إطلاق السوق الطوعي الجديد، يؤكد قدرة مصر في المشاركة بفاعلية نحو دفع جهود تحقيق الهدف الدولي وهو الحياد الكربوني، بالإضافة إلى أن السوق الجديدة تأتي اتساقًا مع الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 والتي تتبناها الدولة.
كما منحت لجنة الشؤون الاقتصادية بمجلس النواب موافقتها المبدئية على تعديلات قانون سوق رأس المال التي ستسمح بتداول شهادات أرصدة الكربون في البورصة المصرية. وقالت هيئة الرقابة المالية إنها تعمل على صياغة تعديلات على اللائحة التنفيذية لقانون سوق المال قبيل خطط البورصة المصرية لإطلاق أول سوق طوعية للكربون في أفريقيا في منتصف عام 2023.
في هذا السياق، أكد المهندس طارق الجمال، رئيس مجلس إدارة شركات «ريدكون»، أن هذا القرار يعد من القرارات التي ستحقق نقلة نوعية في تحفيز الشركات والقطاع الخاص نحو تحقيق الاستدامة، كما يشجع على إقدام الشركات على الحد من الانبعاثات الكربونية في كل المشروعات وعلى مستوى جميع القطاعات والمجالات، حيث سيسهم تداول هذه الشهادات في تشجيع الاستثمارات الخضراء وتنويع خياراتها أمام الشركات، بتوفير أدوات تمويلية جديدة للشركات لتنفيذ خططها التوسعية للمشروعات الأكثر استدامة، استنادًا إلى النجاح الكبير الذي شهدته تلك التجربة في السوق الأوروبية وتحقيقها لطفرة نوعية في حجم الاستثمارات بها.
وأشار الجمال إلى أن مصر أصبحت الدولة الرائدة على مستوى القارة الأفريقية في تبني جهود دعم الاستدامة ومساعدة الكيانات الاقتصادية على خفض الانبعاثات الكربونية الضارة، وأصبح لدى العديد من الشركات والمؤسسات الاقتصادية والأفراد وعي كبير بالتحديات البيئية، وكيفية مواجهتها وتقليل آثارها السلبية، بعد استضافة مصر مؤتمر قمة المناخ «COP27»، والذي حقق نتائج إيجابية غير مسبوقة، مما يؤكد أن تلك قرار التداول سيكون له انعكاس واضح على الاقتصاد المصري.
وبدوره، أشاد المستشار أسامة سعد الدين، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري، بقرار رئيس مجلس الوزراء، موضحًا أنه قرار صائب وعلى الطريق الصحيح، حيث يشجع الشركات على تطبيق الاستدامة والحد من الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى أن هذه الشهادات ستكون جاذبة جدًا للصناديق الدولية المهتمة بالاستثمار في الاقتصاد الأخضر، مشيرًا إلى أن استجابة الدول للتغيرات المناخية لم يعد من قبيل الرفاهية، بل أصبح ضروريًا، وذلك لحماية العالم من الآثار الضارة بسبب مستويات الاحتباس الحراري على حياة البشرية.