صافي الانبعاث الصفري.. الهدف العالمي للتصدي للتغيرات المناخية

صافي الانبعاث الصفري.. الهدف العالمي للتصدي للتغيرات المناخية

كتبت: إيمان إبراهيم

بدأت الشرارة الأولى للاهتمام بقضايا البيئة والمناخ عالميًا منذ سبعينات القرن الماضي بتحديد يوم للأرض، وقد ساعد هذا الحدث على زيادة الدعم المجتمعي لإنشاء وكالة حماية البيئة لمعالجة قضاياها، ومنذ ذلك الحين ساهم يوم الأرض في إقرار العديد من القوانين البيئية في الولايات المتحدة.

وتبع ذلك عدة محاولات إلى أن أثارت قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992 الاهتمام بتغير المناخ على الصعيد العالمي مع إقرار أول اتفاقية إطارية للمناخ، وانتزعت تلك الاتفاقية اعتراف الدول الصناعية المتقدمة والغنية بمسؤوليتها التاريخية عن تراكم الانبعاثات في الغلاف الجوي.

وأعقب ذلك العديد من المحاولات والتوصيات إلى أن أطلقت اتفاقية باريس عام 2015، والتي اعتبرت أكثر شمولاً وأكثر عالمية، ولكن أقل طموحًا وإلزامًا للدول، فقد خرجت بتسوية أرضت الجميع تحت عنوان رئيسي “المساهمات المحددة وطنيًا”، أي أنها تركت الحرية لكل دولة أن تخفف ما تستطيع من انبعاثاتها، دون أن يكون هناك شيء ملزم ومعايير محددة أو موحدة، ولا سنة مرجعية.

ومنذ تلك الاتفاقية اكتسب العمل المناخي زخمًا، إذ كثفت بلدان العالم جهودها في مجال المناخ والتزم كثير منها بالوصول بمستوى الانبعاثات إلى الصفر على أساس صاف بحلول عام 2050، وهو ما يعني أن أي انبعاثات كربونية إضافية ستتم موازنتها بالكامل بسحب انبعاثات الكربون من الجو.

صافي الانبعاث الصفري

عرفت الأمم المتحدة صافي الانبعاث الصفري بأنه التوجه لخفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى أقرب مستوى ممكن من الصفر، مع إعادة امتصاص أي انبعاثات متبقية من الغلاف الجوي، عن طريق المحيطات والغابات على سبيل المثال.

ويتم التعويض عن أي انبعاثات متبقية بحسب البنك الدولي من خلال كمية مكافئة من العمليات الدائمة لإزالة الانبعاثات البشرية المنشأ حتى لا تنطلق في الغلاف الجوي عن طريق الحلول التكنولوجية (الاحتجاز المباشر لثاني أكسيد الكربون وتخزينه) أو من خلال الحلول الطبيعية (استصلاح الأراضي وتحسين إدارة الغابات).

أهمية صافي الانبعاث الصفري

يجب أن تقتصر زيادة درجة الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وذلك من أجل تجنب أسوأ آثار تغير المناخ والحفاظ على كوكب صالح للعيش.

ولفتت منظمة الأمم المتحدة إلى أن الأرض أصبحت أكثر دفئًا بنحو 1.1 درجة مئوية مما كانت عليه في أواخر القرن التاسع عشر، مع استمرار الانبعاثات في الارتفاع.

ولإبقاء الاحترار العالمي لا يزيد عن 1.5 درجة مئوية – على النحو المطلوب في اتفاق باريس – يجب خفض الانبعاثات بنسبة 45% بحلول عام 2030 والوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2050.

كيف يتحقق صافي الانبعاثات الصفري؟

يعد نظام تسعير الكربون، الذي قد يأخذ شكل ضريبة الكربون أو أنظمة تداول تراخيص إطلاق الانبعاثات الكربونية أو ما يعادلها من تدابير أخرى مثل القواعد التنظيمية على مستوى القطاعات من أهم عناصر استراتيجية خفض الانبعاثات الكربونية.

فالدعم من خلال الاستثمارات الخضراء وأعمال البحوث والتطوير لن يكون كافيًا لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية بحلول 2050، ولكن برفع تكلفة مصادر الطاقة عالية الانبعاثات الكربونية يمكن لنظام تسعير الكربون أن يحفز التحول إلى أنواع وقود أنظف وكفاءة استهلاك الطاقة.

كما أن زيادة المعروض فقط من مصادر الطاقة النظيفة سيؤدي غالبًا إلى خفض تكلفة الطاقة لكنه لن يحفز كفاءة استهلاك الطاقة بقدر كبير، مما سيتعذر معه بلوغ هدف صافي الانبعاثات الكربونية الصفرية.

ويأتي ذلك لأن قطاع الطاقة يشكل مصدر 3 أرباع انبعاثات غازات الدفيئة، ومن شأن استبدال الطاقة الملوثة من الفحم والغاز والنفط بالطاقة المستمدة من مصادر متجددة، مثل الرياح أو الشمس، أن يقلل بشكل كبير من انبعاثات الكربون.

وطبقًا لمنظمة الأمم المتحدة، يتعهد تحالف من البلدان والمدن والشركات والمؤسسات الأخرى بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية، فقد حددت أكثر من 70 دولة بما في ذلك أكبر الجهات المسببة للتلوث – الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي – هدفًا صافًا صفريًا، يغطي نحو 76% من الانبعاثات العالمية.

وتعمل أكثر من 3,000 شركة ومؤسسة مالية مع مبادرة الأهداف القائمة على العلم؛ لتقليل انبعاثاتها بما يتماشى مع علم المناخ، كما انضمت أكثر من 1,000 مدينة و1,000 مؤسسة تعليمية، مع أكثر من 400 مؤسسة مالية إلى السباق إلى الصفر، وتعهدت باتخاذ إجراءات صارمة وفورية لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030.

وانضمت أكثر من 160 شركة ذات أصول قيمتها 70 تريليون دولار من أجل توجيه الاقتصاد العالمي نحو صافي انبعاثات صفري وتحقيق أهداف اتفاقية باريس، ويشمل الأعضاء كبار مالكي الأصول والمدراء الرئيسيين بالإضافة إلى مصارف تمتلك القدرة على تعبئة تريليونات الدولارات خلف الانتقال إلى صافي انبعاثات صفري.

وخلص فريق العمل في البنك الدولي إلى أنه لضمان أن تكون تلك الأهداف ذات مصداقية وتلقى مساندة حكومية، يجب أن تكون الأهداف واستراتيجيات تحقيقها شفافة وطموحة ومتسقة مع أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويجب أيضًا أن تتضمن تطبيق قواعد حساب قوية حتى يتم قياس تخفيضات انبعاثات غازات الدفيئة قياسا دقيقا، ولتفادي العد المزدوج، الذي لا يدعيه أكثر من بلد واحد أو كيان واحد.

هل نحن على الطريق الصحيح؟

قالت منظمة الأمم المتحدة إننا لسنا على الطريق الصحيح، فالالتزامات التي تعهدت بها الحكومات حتى الآن أقل بكثير مما هو مطلوب، وستؤدي الخطط المناخية الوطنية الحالية، لـ 193 طرفًا في اتفاقية باريس، إلى زيادة كبيرة بنسبة 11% تقريبًا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2010.

وأوضحت أن الوصول إلى صافي الصفر يتطلب من جميع الحكومات تعزيز مساهماتها المحددة وطنيًا بشكل كبير، واتخاذ خطوات جريئة وفورية نحو الحد من الانبعاثات الآن، فقد دعا ميثاق جلاسكو للمناخ جميع البلدان إلى إعادة النظر في أهداف 2030 وتعزيزها في المساهمات المحددة وطنيًا بحلول نهاية عام 2022 ولكن تم تقديم 24 خطة مناخية جديدة أو محدثة فقط بحلول سبتمبر 2022.

يذكر أن أكبر 7 دول مصدرة للانبعاثات وهي: الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والهند، والاتحاد الأوروبي، وإندونيسيا، والاتحاد الروسي، والبرازيل شكلت نحو نصف انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية في عام 2020، فيما تعد مجموعة العشرين مسؤولة عن 75% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية.

الكربون في القطاع العقاري

كشف المنتدى الاقتصادي العالمي أن القطاع العقاري مسؤول عما يقرب من 40% من انبعاثات الكربون العالمية، لذا فإن العقارات الخضراء هي وسيلة لا لبس فيها للتخفيف من أزمة المناخ، وأولوية رئيسية للاستثمارات المستقبلية.

وأفاد بأن المباني غير المستدامة أصبح غير مرغوب فيها بشكل متزايد ويصعب تمويلها، مما يزيد من الطلب على المباني الجديدة أو التي تم تعديلها، فقد أصبح هناك تحولًا ملحوظًا من قبل كبار المستثمرين إلى الاهتمام بالعقارات المستدامة والفرص التي توفرها للاستفادة من الأصول المثبتة للمستقبل.

تسجيل الدخول

Welcome! Login in to your account

تذكرني فقدت كلمة المرور؟

لا تملك حساب Register

فقدت كلمة السر

Register