قال محمد عامر، الرئيس التنفيذي لمدينة الجونة، خلال حواره مع «إنفستجيت» إن «الجونة ليست مجرد وجهة سياحية.. بل تجربة حياتية متكاملة»، وذلك في سياق مناقشة عدد من الملفات الاستراتيجية، واستعراض أبرز تطورات المدينة، والجهود المبذولة للتحول إلى البناء الأخضر المستدام، إلى جانب دعم ملف التصدير العقاري، والتحديات التي تواجهها المدينة في استقطاب سياحة اليخوت، ورؤيتها لتطوير هذا القطاع الحيوي.
فضلًا عن تسليط الضوء على خطط الجونة المستقبلية في مجالات التعليم والثقافة والترفيه، ورؤية المدينة لتطوير المناطق غير المطورة، وتحقيق التوازن بين التوسع والاستدامة ودعم الاقتصاد المحلي.
س 1: هل هناك توجه عام لأن تتحول مدينة الجونة بالكامل إلى البناء الأخضر (المستدام)؟
نعم، هناك توجه استراتيجي واضح لتحويل مدينة الجونة إلى نموذج متكامل للاستدامة، حيث ندمج حلول الاستدامة في مختلف جوانب الحياة داخل المدينة، من الطاقة والمياه إلى النقل والنفايات والحفاظ على التنوع البيولوجي. فمنذ عام 2014، تم الاعتراف رسميًا بالجونة كأول مدينة مستدامة في الشرق الأوسط، ويُشترط أن يدعم كل مشروع جديد هذا الالتزام.
في هذا السياق، أطلقنا مؤخرًا محطة تحلية مياه جديدة تُعد نقلة نوعية في إدارة الموارد، إذ تسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، لا سيما ما يتعلق بالمياه النظيفة (الهدف 6)، والطاقة المتجددة (الهدف 7)، والمدن المستدامة (الهدف 11). كما يتم اليوم تغطية 16% من احتياجات المدينة من الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية، ضمن شراكة استراتيجية مع شركة “SolarizEgypt”، ونعمل على توسيع هذا التوجه لتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية.
وفي إطار الحفاظ على النظام البيئي، تم تنفيذ مشروع لإعادة تأهيل غابات المانغروف شمل زراعة 5,500 شجرة في مناطق متعددة، منها 2,000 شجرة في عام 2022 و3,500 في 2024. كما تحرص المدينة على حماية الحياة البحرية من خلال مبادرات توعوية وتنظيم فعاليات تُشرك السكان والزوار في أنشطة بيئية تُعزز الحفاظ على الكائنات البحرية والشواطئ.
كما تم اعتماد جميع فنادق الجونة ضمن “برنامج النجمة الخضراء” بالتعاون مع وزارة السياحة، مما يمنحها الريادة الإقليمية في تقديم تجربة ضيافة مستدامة. ويُشجع السكان والزوار على استخدام وسائل النقل المستدام، وتُطبَّق سياسات صارمة لتقليل استخدام البلاستيك، لا سيما في الفعاليات والمناسبات العامة.
فهذه المبادرات تعد ركيزة أساسية في رؤيتنا، إذ نؤمن بأن بناء مجتمع واعٍ ومشارك هو الطريق لتحقيق الاستدامة الحقيقية في كل جانب من جوانب الحياة اليومية في الجونة.
س 2: ما هي أبرز الجهود التي تبذلها مدينة الجونة حاليًا لدعم ملف التصدير العقاري، وكيف ترون انعكاس ذلك على اقتصاد المدينة وقطاع التطوير العقاري في مصر بشكل عام؟
تولي مدينة الجونة ملف التصدير العقاري أهمية كبيرة باعتباره أحد المحاور الاستراتيجية لدعم الاقتصاد المحلي وجذب الاستثمار الأجنبي، خاصة في ظل ما تمتلكه من مقومات تجعلها وجهة متكاملة ومستدامة للمعيشة والاستثمار.
الجونة تضم اليوم أكثر من 9,200 وحدة سكنية مسلّمة، ويسكنها ما يزيد عن 25,000 فرد من أكثر من 50 جنسية، ما يعكس قدرتها على استقطاب مجتمع دولي متنوع. كما أن المدينة تحتضن 18 فندقًا تضم 2,800 غرفة، إضافة إلى مستشفى عالمي، ومدارس دولية النظم التعليمية، ومركز أعمال حديث، إلى جانب مجموعة واسعة من المطاعم، والفعاليات الثقافية، والفنية، والرياضية التي تُقام على مدار العام، مما يخلق بيئة معيشية نشطة تساهم في تحفيز الاقتصاد المحلي.
لدعم تصدير العقار، تعمل أوراسكوم للتنمية عبر ثلاثة محاور رئيسية:
• فهم احتياجات العملاء المختلفة من خلال مبادرة “مفاتيح الحياة”، التي تُجري دراسات ميدانية لتحديد أولويات العملاء الدوليين في اختيار المدن المناسبة لهم.
• التوسع الدولي، من خلال افتتاح مكتب مبيعات عالمي في دبي عام 2022، وإطلاق تطبيق “My Orascom” في 2023 لتسهيل عملية استعراض وشراء الوحدات العقارية في جميع وجهات الشركة حول العالم.
• تنظيم معارض دولية وRoadshows، خاصة في اوروبا وأمريكا وكندا ومنطقة دول مجلس التعاون الخليجي، للتواصل مع الجاليات المصرية بالخارج وتعريفهم بفرص الاستثمار في الجونة.
كل هذه الجهود مجتمعة تسهم في ترسيخ موقع الجونة كوجهة عقارية عالمية، وتعزز من مساهمتها في دعم قطاع التطوير العقاري المصري، وفتح آفاق جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر في مصر.
س 3: ما أبرز التحديات التي تواجه مدينة الجونة في استقطاب سياحة اليخوت، وما هي خططكم المستقبلية لتطوير هذا القطاع؟
تُعد سياحة اليخوت من أكثر أنواع السياحة تأثيرًا اقتصاديًا نظرًا لحجم إنفاق الزوار من أصحاب اليخوت وعائلاتهم بالعملة الأجنبية، وهو ما يضعها ضمن أولويات مدينة الجونة، خاصةً كونها أكبر مشغل خاص لليخوت في مصر، من خلال 4 مراسٍ تستوعب حتى 680 يختًا.
واجهنا تحديات تتعلق بالإجراءات والتنسيق بين الجهات المعنية، لكن نثمن جهود الدولة التي أطلقت منصة إلكترونية لتيسير دخول اليخوت وتنقلها بين المراين، مما شكّل نقلة نوعية في دعم هذا القطاع.
وفيما يخص خطط التوسع، نعمل حاليًا على مضاعفة سعة مناطق تخزين اليخوت لتصل إلى 240 يختًا بدلًا من 120، إلى جانب تطوير الخدمات والبنية التحتية بما يلائم تطلعات هذه الفئة الراقية من الزوار، مما يعزز من مكانة الجونة كوجهة مفضلة لسياحة الأثرياء في المنطقة.
س 4: كيف توفر الجونة التمويل اللازم للاستمرار في التطوير وسط ارتفاع تكاليف البناء عالميًا؟ وهل هناك خطط لطرح أراضٍ جديدة؟ وهل الاستثمار في عقارات الجونة مربح للأفراد؟
تعتمد مدينة الجونة في الأساس على سيولتها الذاتية وإيراداتها التشغيلية لتمويل عمليات الإنشاء والتطوير، وتجنب اللجوء إلى الاقتراض من البنوك خلال السنوات الماضية، ما يعكس قوة استقرارها المالي رغم التحديات العالمية في تكاليف البناء.
ومع ذلك، لتعزيز استدامة مشروعاتها ورفع كفاءة استخدام الموارد، حصلت شركة أوراسكوم للتنمية مصر في أواخر 2024 على قرض من مؤسسة التمويل الدولية بقيمة 155 مليون دولار، يخصص لتحسين كفاءة الطاقة والمياه في فنادق الجونة وتقليل الانبعاثات، كما يُستخدم القرض لإعادة تمويل جزء من ديون الشركة وتحسين مركزها المالي.
أما بالنسبة لطرح الأراضي، فتعمل الجونة باستمرار على دراسة فرص التوسع، ضمن إطار خطة تطوير مستدامة تحافظ على جودة المدينة.
وخلال الربع الرابع من عام 2024، نجحنا في إتمام بيع قطعتي أرض بإجمالي قيمة بلغت 2.1 مليار جنيه مصري. شملت الصفقة الأولى، التي أُبرمت في نوفمبر 2024، بيع قطعة أرض لشركة حسن علام العقارية بمساحة 110,000 متر مربع، بقيمة 34.7 مليون دولار أمريكي، أي ما يعادل 341 دولارًا للمتر المربع. وفي ديسمبر 2024، أتممنا بيع قطعة أرض أخرى بمساحة 26,532 مترًا مربعًا في الجزء الخلفي من الجونة، كامتداد لقطعة سبق بيعها في النصف الأول من العام نفسه، وبلغت قيمتها نحو 370 مليون جنيه مصري، أي ما يعادل 274 دولارًا للمتر المربع.
وفيما يتعلق بالاستثمار العقاري، تواصل الجونة ترسيخ مكانتها كوجهة جذابة للمستثمرين والأفراد، حيث يمثل تملك العقارات فيها فرصة واعدة لتحقيق نمو طويل الأمد في القيمة الاستثمارية، بفضل بيئتها المتطورة ونهجها المستدام، ما يجعلها خيارًا مجزيًا على المستويين الاقتصادي والمعيشي.
نواصل تنفيذ خططنا التوسعية مع الالتزام بالحفاظ على الهوية البيئية والمعمارية الفريدة للمدينة، من خلال تنمية الأراضي المتبقية بأسلوب مدروس ينسجم مع رؤيتنا للاستدامة، والتي ترتكز على الدمج بين حماية البيئة وتطوير مجتمعات متكاملة.
س5: ما هي نسبة الأراضي المنماة داخل مدينة الجونة حتى الآن؟ وما الخطوات المتبعة لتنمية المناطق غير المطورة؟
تمتد الجونة على مساحة 36.92 مليون متر مربع بمحاذاة 21 كيلومترات من ساحل البحر الأحمر، وتُعد نموذجًا متكاملًا يجمع بين المعيشة والعمل والترفيه في بيئة طبيعية متميزة. وحتى نهاية أبريل 2025، وصلت نسبة الأراضي المطوّرة إلى 58%، وذلك ضمن خطة تنموية مدروسة توازن بين التوسع العمراني والحفاظ على الهوية البيئية والمعمارية الفريدة للمدينة.
نسير بخطى ثابتة نحو تطوير المناطق غير المطوّرة وفق رؤية شاملة تعزز التكامل العمراني والاستدامة. في عام 2025، نستهدف تسليم 410 وحدات سكنية جديدة لتلبية الطلب المتزايد على الجونة، مع مواصلة العمل على تطوير مجتمعات متصلة ومساحات سكنية وتجارية تدعم نمو الاقتصاد المحلي وتحافظ في الوقت ذاته على جودة الحياة.
وقد أثمرت هذه الرؤية عن أداء قوي في السوق العقاري، حيث ارتفعت المبيعات بنسبة 63.8% في عام 2024، لتصل إلى 12.4 مليار جنيه مصري مقارنة بـ7.6 مليار في 2023.
ومن أبرز المشاريع الجديدة التي تعبّر عن هذا التوجه هو مشروع “فنادير شورز”، الذي يعكس مفهوم الحياة الساحلية الراقية بكل تفاصيلها. يتميّز المشروع بموقعه الفريد على واحدة من أرقى قطع الأرض المطلة على البحر الأحمر، ليمنح تجربة سكنية استثنائية صُمّمت بعناية لتلائم ذوق نخبة تُقدّر التميز والرقي.
تقدّم هذه الوحدات الحصرية نمط حياة مترف، بإطلالات بانورامية ساحرة على البحر، ومشاهد طبيعية هادئة تطل على اللاجون المفتوح. وبالقرب من فندق لا ميزون بلو، أحد أرقى الفنادق البوتيك في مصر، و فنادير مارينا ، ينفرد هذا العنوان المميز بتقديم تجربة معيشية متكاملة، صُممت بعناية لتلبي تطلعات عشّاق الفخامة والراغبين في الاستمتاع بأسلوب حياة راقٍ على شاطئ البحر الأحمر.
وتأكيدًا على التزامنا بالاستدامة، نحرص على أن تراعي جميع المشاريع الجديدة مبادئ التخطيط الذكي، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد، والتصميم الصديق للبيئة، بما يحافظ على الطابع الطبيعي الفريد للجونة ويعزز من مكانتها كوجهة رائدة على البحر الأحمر.
س 6 : ما هي خطط الجونة المستقبلية في مجالات التعليم، والثقافة، والفنون، والترفيه؟ وهل هناك ترتيبات خاصة للاحتفال بمرور 35 عامًا على تأسيس المدينة؟
في الجونة، لم تكن رؤيتنا يومًا مقتصرة على كوننا وجهة سياحية فقط، بل نطمح دائمًا لأن نكون مدينة متكاملة للحياة، تجمع بين جودة المعيشة، والتعليم، والثقافة، والفن، والترفيه.
فيما يخص التعليم، نحرص على توفير بيئة تعليمية متنوعة ومرنة، حيث تحتضن الجونة اليوم عددًا من المدارس المرموقة التي تقدم مناهج مختلفة تناسب مختلف الاحتياجات. وبما أننا نؤمن بأهمية تطوير المنظومة التعليمية بشكل متكامل، فإن فكرة استقطاب جامعة دولية إلى الجونة مطروحة ضمن رؤيتنا المستقبلية، كخطوة طبيعية في مسيرة تطور المدينة.
أما من الناحية الثقافية والفنية، فالجونة مستمرة في تعزيز موقعها كمنصة للفعاليات المحلية والدولية، حيث تستضيف المدينة على مدار العام عدداً من الأحداث المتنوعة التي تجمع بين الفن والرياضة والترفيه. ومن أبرزها مهرجان الجونة السينمائي الذي رسّخ مكانته كأحد أهم الفعاليات الثقافية في المنطقة، وبطولة الجونة الدولية للاسكواش PSA Platinum التي تُعد من المحطات الرياضية البارزة عالميًا. نواصل كذلك استقطاب فعاليات جديدة تضيف إلى التجربة الثقافية للزوار وتدعم الحركة السياحية في مصر.
وبمرور 35 عامًا على تأسيسها، تخطو الجونة فصلًا جديدًا في مسيرتها، مواصلة التقدم نحو تحقيق رؤيتها كمجتمع متكامل نابض بالحياة.
س 7 : في ظل المنافسة المتزايدة من المدن الساحلية الأخرى، كيف تحافظ الجونة على مكانتها الرائدة؟ وما هي استراتيجيتكم للتوازن بين التوسع، الاستدامة، ودعم الاقتصاد المحلي؟
تحافظ الجونة على ريادتها من خلال رؤية متكاملة توازن بين الابتكار، الاستدامة، وتعزيز القيمة المضافة للمجتمع والاقتصاد المحلي. نحن لا نقدم مجرد وجهة سياحية، بل تجربة حياة متكاملة.
وتتمثل استراتيجيتنا في تطوير مدينة ذكية ومتكاملة تُدار بكفاءة وتراعي البيئة، مع الحفاظ على الهوية المعمارية والبنية التحتية المستدامة. حيث نحرص على النمو المدروس الذي يحترم الطبيعة ويعزز من جودة الحياة، مما يجعل الجونة وجهة مفضلة للعيش والاستثمار على المدى الطويل.
في الوقت نفسه، نلتزم بدورنا كمحرك للتنمية المحلية، من خلال خلق فرص عمل مستدامة، ودعم الكفاءات المحلية، وتوفير بيئة حاضنة لرواد الأعمال والمبادرات المبتكرة. بهذا التوازن، تبقى الجونة نموذجًا حيًا لمدينة ساحلية تجمع بين الجاذبية العالمية والارتباط العميق بالمجتمع والبيئة.