كتبت: إيمان إبراهيم
ضغط تسارع معدلات التضخم عالمياً الناشب عن الحرب الروسية الأوكرانية؛ التي اندلعت منذ نحو عام ونصف العام على العديد من القطاعات الاقتصادية التي وقعت تحت طائلته، ودفع ذلك المستثمرين والأفراد إلى تحجيم الإنفاق لديهم، والبحث عن بدائل بعد تفاقم الأسعار.
وبعد معاناة قطاع السياحة العالمي، والمصري بشكل خاص في العامين الماضيين جراء جائحة فيروس كورونا، لمع بريقه من جديد مستفيداً من تراجع قيمة الجنيه، لتُصبح مصر الوجهة المفضلة للعديد من سكان العالم؛ إذ تتناسب أسعار الإقامة بها مع التوجه العالمي لترشيد الاستهلاك والإنفاق، فضلاً عن التطور الملحوظ بالمنشآت السياحية، والمدن الجديدة كالعلمين التي أصبحت نقطة جذب على خريطة السياحة العالمية.
واستطلعت «إنفستجيت» آراء خبراء للوقوف على مدى استفادة القطاع من أزمة التضخم، وما هي الأماكن الأكثر جذباً للسياحة الخارجية والداخلية، وأيضاً ماذا يحتاج القطاع في الفترة المقبلة لاستمرار الانتعاش.
كيف استفادت السياحة من التضخم؟
قال باسم حلقة، نقيب السياحيين، إن مصر تعتبر من ضمن أكبر 5 مقاصد سياحية على مستوى العالم، وتعد السياحة بها سلعة تصديرية، منوهاً بأن انخفاض قيمة الجنيه جعل من أسعار البرامج والمنشآت السياحية نقطة جذب عالمية لأنها أقل تكلفة مقارنة بنظيرتها في الشرق الأوسط، خاصة مع موجة التضخم المشهودة، ويظهر ذلك جلياً من خلال نسبة الإقبال المرتفعة للسائحين على مصر في النصف الأول من 2023.
وتوقع مع استمرار تلك المعدلات التي تشهدها السياحة في مصر استقطاب 15 مليون سائح من الخارج بنهاية العام، لتتجاوز بذلك الأرقام السياحية القياسية التي سجلت في عام 2010 والتي بلغت 14 مليون سائح.
وكان وزير السياحة والآثار قد أعلن مسبقاً أن مصر استقبلت بالفعل في النصف الأول من 2023 7 ملايين سائح، مع استهدافها استقبال 8 ملايين سائح خلال النصف الثاني من نفس العام، على أن ترتفع الحصيلة في العام المقبل لتتراوح بين من 18 إلى 20 مليون سائح.
وكشف مصدر حكومي بحسب تصريحات صحفية إلى “الشرق”، أن متوسط معدلات الإشغال في فنادق مصر وصل في النصف الأول من العام إلى 80%، مقابل 65% خلال الفترة المقارنة من 2022، علماً بأن الطاقة الفندقية العاملة في مصر نحو 220.000 غرفة، تستحوذ منطقتا البحر الأحمر وجنوب سيناء على نحو 130.000 غرفة منها.
من جانبه، أرجع كريم محسن، عضو مجلس إدارة غرفة شركات السياحة، زيادة الطلب الملحوظ على المنشآت السياحية على مصر خلال الموسم الحالي إلى انفتاح البلد من جديد، خاصة أنها كانت تطبق مسبقاً إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضتها عليها جائحة فيروس كورونا على مدار العامين السابقين، وما يسبق ذلك من فترة الثورة، لذا مع استقرار الأوضاع استعادت الزخم والإقبال السياحي.
وكشف محسن أنه إلى جانب ذلك؛ فقد ساهم الإقبال التاريخي والمجهودات التي قامت بها وزارة السياحة في الترويج عالمياً كموكب المومياوات، وافتتاح المتحف الأكبر، وطريق الكباش، والإعلان عن الاكتشافات الأثرية الجديدة، فضلاً عن حالة الاستقرار الأمني التي تشهدها مصر في السنوات الأخيرة.
وفي ذات السياق، ذكر علاء الغمري، عضو غرفة شركات السياحة، أن معدلات التضخم العالمي لم تؤثر على السياحة في مصر، بل حولتها إلى منطقة جذب لتزامن ذلك مع انخفاض قيمة العملة المحلية، لذا فقد أصبحت البلد أقل تكلفة للسائح الأجنبي عن العديد من المدن على مستوى العالم، ويستطيع السائح بـ600 دولار فقط العيش في مدن مثل الغردقة، وشرم الشيخ، لنحو أسبوع.
وعلى مستوى السياحة الداخلية؛ أوضح أن الأسعار ومعدلات التضخم دفعت البسطاء إلى الشواطئ الأقل تكلفة مثل الإسماعلية، والاسكندرية وغيرها من المدن، كما دفعت البعض إلى تقليل مدة تلك العطلة واكتفى البعض بسياحة اليوم الواحد.
المدن الأكثر إقبالاً
وعن المدن الأكثر إقبالاً؛ قال نقيب السياحيين، إن الساحل الشمالي، ومرسى مطروح، وإسكندرية، من أكثر المدن إقبالاً خلال الموسم الحالي في السياحة الداخلية، أما بشأن الأجانب فهم يفضلون مدن البحر الأحمر، كشرم الشيخ والغردقة، وجنوب سيناء، بشكل عام التي تمتاز بسياحة الغوص.
وتابع:” كما وصلت مدينتا الأقصر، وأسوان إلى معدلات إشغال مرتفعة حتى مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف الحالي، بدعم الرحلات المباشرة للأجانب المقبلة من مدن البحر الأحمر، بما ساهم في تقليل المسافات على السائحين، وزيادة إقبالهم على المدن التي تعج بالآثار الفرعونية والتي تكون على خريطة البرامج السياحية للأجانب”.
وبين أن الملفات السياحية في مصر ومنشآتها متعددة ومتنوعة تناسب كافة الأذواق، لذا فهي تحظى باهتمام واسع، ونجح في ذلك أيضاً الأحداث التي تنظمها الدولة لزيادة الإقبال مثل مهرجان مدينة العلمين، الذي يعد تقديما هاماً للمدينة ومنشآتها في مجال السياحة.
وفي سياق متصل، أفاد محسن أن مدن الأقصر وأسوان والقاهرة شهدوا إقبالاً كبيرة في الفترة السابقة، مع توقعات استمرار ذلك الطلب في الشتاء المقبل، ويتبعهم الغردقة ومرسى علم، فيما تشهد مدينة شرم الشيخ إقبالاً أقل، كما تستقبل مدينة مرسى مطروح سياحة أجنبية، فيما تشهد مدينة العلمين سياحة عربية أكثر من الأوروبية.
وأوضح علاء الغمري أن مدن البحر الأحمر لا تزال في صدارة استقطاب السياحة الوافدة إلى مصر، لامتلاكها العديد من المقومات كسياحة الغطس، وتفضيل نسبة كبيرة من السائحين إلى الغرف الفندقية.
هل هناك مطالب لمواصلة الانتعاش؟
كشف محسن أن الشركات السياحية قد يكون لديها مطالبات تمويلية في الفترة المقبلة رغم استعادة النشاط التشغيلي بها؛ نظراً لارتفاع تكلفة أصولها من وسائل نقل وارتفاع تكلفتها خاصة في حالة الاستيراد، لذا فهي بحاجة إلى دعم تمويلي من الحكومة، عن طريق مبادرات تساعدها في توسيع نشاطها ليتواكب مع الإقبال.
وبين الغمري أن معدلات الإقبال شهدت تطوراً ملحوظاً، ولكن نحن بحاجة إلى المزيد من أدوات الدعم، لاستمرار واستهداف معدلات أكبر مثل زيادة عدة الغرف الفندقية، وفتح الشواطئ لتكون مدن بالكامل لا تحوي على الفنادق التي تتناسب من السائح المقبل من الخارج.
وذكر أن مصر لديها إمكانيات ومقومات كبيرة؛ إلا أن عجز عدد الغرف الفندقية قد يكون عقبة في استهداف المزيد، إلى جانب التطوير في طريقة التعامل والوعي في التعامل مع الوافدين، وطريقة إدارة ذلك الملف، إلى جانب فتح الفرصة أمام الاستثمار محلي وأجنبي في مجال الغرف الفندقية، بما يتزامن مع التطور الملحوظ في البنية التحتية الذي طبقته البلد في الفترة السابقة، فالسياحة أسرع قاطرة لإدخال العملة الأجنبية.
ودعا إلى تطبيق نموذج مدينة العلمين التي يتسابق إليها رجال الأعمال العرب للاستثمار بها في العديد من المدن السياحية الأخرى، منوهاً بأنه يجب طريقة تطوير طريقة البناء، فالسائح الذي يأتي إلى البلد لمدة أسبوعا لن يستهدف الإقامة في المجمعات السكنية بالمدينة الساحلية، ولكنه يفضل اللجوء إلى الإقامة الفندقية، التي ستضيف إلى تجربته المزيد من الرفاهية التي يستهدفها، مثل مدينة العين السخنة التي تحتاج إلى زيادة عدد الفنادق بها لجذب المزيد من السائحين.
وبين أن الساحل الشمالي تحول أيضاً من مدينة ساحلية إلى أداة استثمارية لدى العديد من المواطنين، الذي اتجهوا إلى شراء أماكن به وإعادة تأجيرها من جديد خلال موسم الصيف، لذا فزيادة الإقبال والتوسع بتلك المدن يدفع العجلة الاقتصادية على أكتر من مستوى.
واتفق الخبراء الذين استطلعت«إنفستجيت» آرائهم على أن انخفاض عملة الجنيه المصري، ومستويات التضخم العالمية، دعمت مستويات الإقبال التاريخي التي تشهدها مصر سياحياً خلال 2023، وفي ذات الوقت دعوا إلى تطبيق بعض الإجراءات لمواصلة الزخم بينها، مثل زيادة عدد الغرف الفندقية، واستمرار الجهود التي تبذلها الدولة في الترويج عالميا للمدن المصرية.