كتبت: إيمان إبراهيم
حمل النصف الأول من عام 2023 بين طياته الكثير من التحديات للاقتصاد العالمي، أخلفها تأثر سلاسل التوريد عالميًا جراء استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وما أعقب ذلك من موجة تضخم ضربت مختلف دول العالم، ظهر تأثير تلك الموجة على مختلف القطاعات الاقتصادية، خاصة مع اتجاه البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة في محاولة لكبح جماع التضخم.
ونال القطاع العقاري المصري جزءًا من تلك التبعات خاصة مع الارتفاع الملحوظ في أسعار مُدخلاته، وهو ما دفع الحكومة المصرية إلى عقد العديد من الاجتماعات مع الصُناع؛ لبحث مقترحاتهم، وإصدار عدة قرارات ومبادرات في محاولة لتخفيف تلك الآثار، والحفاظ على استمرارية النشاط والزخم في القطاع الاستراتيجي. وجاء من بين تلك القرارات وأهمها التوجه بخُطى ثابته نحو ملف تصدير العقار، في محاولة لجذب العديد من المستثمرين الأجانب وتعزيز وضع العملة الأجنبية، مع استهداف شرائح أعلى من المستثمرين.
ترصد «إنفستجيت» في ذلك التقرير أبرز القرارات والمبادرات التي أقبلت عليها الحكومة لدعم القطاع العقاري بالنصف الأول من 2023، وما المرتقب فيما تبقى من العام.
لجنة للنهوض بالنشاط وسعر بيع حر
في يناير 2023، عقد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اجتماعًا مع مسئولي البنك المركزي، ووزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والمطورين العقاريين، حيث وجه بتشكيل لجنة لإعداد برنامج متكامل للنهوض بنشاط التمويل العقاري، وكذا العمل على وضع تصورات واضحة بشأن تقديم دفعة لنشاط تصدير العقار للخارج بما يسهم في توفير النقد الأجنبي.
وخلال فبراير الماضي، وافق مجلس الوزراء على طلب وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بشأن اعتماد أسعار بيع الوحدات السكنية بالسعر الحر، وطرح إعلان البيع ببعض المدن مثل: القاهرة الجديدة بمحافظة القاهرة، وبياض العرب بمحافظة بني سويف، والغردقة وسفاجا بمحافظة البحر الأحمر، ودمنهور بمحافظة البحيرة، وذلك وفقًا لقرار مجلس إدارة صندوق الإسكان الاجتماعي ودعم التمويل العقاري رقم 3/20/2023.
تيسيرات أراضي في المدن الجديدة
وفي نهاية مارس الماضي، وافق مجلس الوزراء على ما قدمته وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بشأن منح تيسيرات للمشروعات بالأراضي الخدمية والاستثمارية، حيث تم التنويه إلى موافقة مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة على منح تيسيرات متعددة للمستثمرين وشركات التطوير العقاري، في ضوء المتغيرات الحالية نتيجة تداعيات الأزمات العالمية المتعاقبة.
وتتضمن هذه التيسيرات: زيادة مدة تنفيذ جميع المشروعات الخدمية والاستثمارية والعمرانية بنسبة 20%، عن المدة الأصلية الممنوحة للتنفيذ لقطعة الأرض، وذلك للمشروعات التي لا تزال في مدة التنفيذ، أما المشروعات التي تم أو يتم منحها مهلة بمقابل مادي فيتم منحها ذات النسبة من هذه المهلة.
كما شملت التيسيرات أيضًا منح المطورين العقاريين خلال مدة التنفيذ الممنوحة بنسبة 20% من المدة الأصلية أو المدة المضافة للمشروع (الخدمي ـ الاستثماري ـ العمراني المتكامل) تخفيضًا بنسبة 50% على الفائدة المطبقة على الأقساط المستحقة، خلال تلك المدة وبحد أقصى عام اعتبارًا من العام الحالي، وذلك كمساهمة من الدولة والهيئة ولدعم المطورين العقاريين لمجابهة تداعيات الأزمة الاقتصادية.
وتيسيرًا على الحاجزين، بمشروع «بيت الوطن» (المرحلة الثامنة التكميلية)، قرر مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عددًا من البدائل لأسلوب السداد واختيار الحاجز لما يناسبه منها، بالإضافة إلى إقرار تيسيرات على الدفع الفوري. وتضمن التسهيل أنه في حالة السداد الفوري لكامل قيمة الأرض بالدولار الأمريكي، تحويلًا من الخارج، يتم خصم نسبة 15% من الثمن الإجمالي لقطعة الأرض، وفي حالة سداد باقي ثمن الأرض على دفعات يتم الالتزام ببدائل احتساب الأقساط ومدة السداد، وفقًا لأحد بديلين. يتمثل البديل الأول في تحديد سعر الأرض بالجنيه المصري والسداد بالمقابل الدولاري، بينما البديل الثاني هو تحديد سعر الأرض بالدولار على أن يكون السداد بالدولار أيضًا.
الرقمنة وجذب الاستثمار
وفي سياق آخر، وجه رئيس الوزراء جميع الوزارات والجهات المعنية بسرعة اتخاذ الإجراءات اللازمة للبدء في رقمنة كافة الأصول التابعة لها، سواء أراضي، أو عقارات أو خلافه، مؤكدًا أن هذه الخطوة تحقق الحوكمة، وتضمن إدارة الأصول المملوكة للدولة بكفاءة، وسد منافذ محاولات التعدي عليها.
وخلال مايو 2023، وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن اتفاقية إزالة الازدواج الضريبي بالنسبة للضرائب على الدخل ومنع التهرُب من الضرائب وتجنبها، التي تم توقيعها بين مصر وحكومة دولة قطر، وتضمنت قطاعات وبنود عدة منها الثروة العقارية.
العقار مقابل الجنسية
نشرت الجريدة الرسمية في مارس 2023، قرار رئيس الوزراء بشأن تعديل طلبات التجنس بالجنسيات الأجنبية، وسمح القرار بمنح الجنسية لطالبها في 4 حالات، بينها شراء عقار مملوك للدولة أو لغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة بمبلغ لا يقل عن 300,000 دولار أمريكي، يحول من الخارج وفقًا للقواعد المعمول بهـا في البنك المركزي أو أن يكون المبلغ قد دخل مصر من خلال أحد المنافذ الجمركية وتم إثباته جمركيًا.
ماذا يحتاج القطاع بالنصف الثاني؟
قال أسامة سعد رجب، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري، إن “الحكومة المصرية اجتهدت في النصف الأول من العام الحالي بإطلاق العديد من المبادرات، في محاولة منها لعودة النشاط إلى القطاع، ولكننا نسعى لطرح مقترحات وقوانين بالتعاون مع الدولة لعودة الازدهار للقطاع وليس تذليلًا للعقبات فقط”.
وكشف رجب أنه يمكن حصر ما يحتاجه ويرتقبه القطاع في 5 ملفات ستدعم نموه من جديد في النصف الثاني من 2023، الملف الأول هو زيادة الرقابة على مصنعي ومنتجي مواد البناء للقطاع، للحفاظ على توافرها وثبات أسعارها حتى يتثنى للمطور حصر نفقاته التشغيلية، وتحجيمًا لأسعار الوحدات.
وبين أن الملف الثاني الذي يجب إحراز تقدم به يتعلق بالتمويل العقاري، فالمطورين أصبحوا بحاجة إلى توافر سيولة في أسرع وقت، وتسليم الوحدات في فترة زمنية أقل؛ لتسريع دورة مشروعاتهم، ولتلافي الزيادات غير المرتقبة لأسعار البناء، ولكن قد لا يستطيع العميل توفير السيولة على المدى القصير، لذا يجب أن تحمل شركات التمويل على عاتقها تلك المهمة في الفترة المقبلة، لسد الفجوة بين العميل والمطور.
وذكر رجب أن الملف الثالث يتمثل في أن تركز الدولة جهودها في تخفيف تبعات تحرير سعر صرف العملة المحلية على القطاع العقاري الاستراتيجي، بمنح تسهيلات ومبادرات كالتي أطلقت لدعم القطاعين الصناعي والزراعي.
أما الملف الرابع، أكد رجب أن تصدير العقار لم يتم الاهتمام به بالصورة التي يستحقها حتى الآن، رغم أنه قد يشكل انطلاقة حقيقة لازدهار السوق العقاري المصري، وتوفير مصدر جيد للعملة الأجنبية للدولة. ولفت إلى أن الاهتمام بذلك الملف يتطلب تضافر الجهود العديد من الحقائب الوزارية والجهات الحكومية إلى جانب الغرفة، للوقوف على محددات رئيسية يُعمل بها، والسعي لبدء بتشكيل وعي وصورة ذهنية إيجابية عن العقار المصري عالميًا. متابعًا: “إذ نجحنا في ذلك سيولد مناجم ذهب للاقتصاد المصري الذي يزخر بالقدرات البشرية والأراضي القابلة للتطوير العقاري”.
وتابع رجب: “الملف الخامس الذي قد يوفر العديد من النفقات على المطور العقاري يتمثل في تثبت سعر الأراضي المقرر تخصيصها لنحو 3 سنوات على مستوى المناطق، بما يوفر للمطور عنصر ثابت على الأقل في الصناعة، يدعمه في تحديد أسعاره تناسب احتياجات العميل، وتساعد في استقرار النشاط”.