بعد شهور من الجمود، أقر مجلس النواب المصري في 27 أبريل مشروع القانون الذي طال انتظاره لإنشاء نظام وطني لتحديد الهوية العقارية. وقد تم تقديم التشريع لأول مرة في أغسطس 2023، ثم تم تجميده بعد الموافقة المبدئية عليه، ويعد هذا القانون خطوة رئيسية ضمن جهود الحكومة لرقمنة قطاع العقارات الواسع والمضطرب في البلاد.
يفرض “قانون الهوية العقارية” الجديد منح رقم تعريف رقمي فريد لكل عقار في مصر، وإنشاء قاعدة بيانات مركزية تربط الأصول العقارية بمنصة رقمية موحدة تديرها الحكومة. ويهدف القانون إلى تحديث طريقة تسجيل العقارات وتتبعها وتنظيمها، ووضع حد للفوضى في السوق التي تعاني منذ سنوات من تضارب البيانات، وسجلات الملكية المجزأة، والبناء غير المرخص.
لماذا تم تمرير القانون الآن؟
تأخر تمرير القانون بسبب تحديات تمويلية، حيث يتطلب تنفيذ برنامج رقمنة بهذا الحجم موارد ضخمة. ومع ذلك، أشار مسؤول حكومي إلى أن الحاجة الملحة للتعافي الاقتصادي ورغبة الدولة في تعزيز أداء قطاع العقارات جعلت تمرير القانون أمرًا لا مفر منه.
يُعتبر القطاع العقاري من أكبر أصول مصر، وتُعد قاعدة بيانات رقمية شاملة أمرًا أساسيًا لإنعاشه ودعم النمو الاقتصادي الأوسع.
آليات العمل
بمجرد التصديق على القانون، سيُمنح كل عقار—سواء كان مملوكًا للقطاع الخاص أو للدولة أو للكيانات القانونية—هوية رقمية تحتوي على بيانات الموقع، والاستخدام، والملكية، ووضع الترخيص، والمخالفات، وسجل المعاملات. وسترتبط هذه الهوية بالخارطة الرقمية الموحدة لمصر وتُدار ضمن نظام معلومات جغرافية آمن.
سيصدر رئيس الوزراء قرارًا يحدد الجهة المسؤولة عن إدارة النظام وتنسيق تنفيذه. وستقوم كل من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ووزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وغيرها من الجهات المختصة بتحديد هيكل النظام، وتصميم البطاقات أو اللوحات التعريفية، ووضع آليات تحديث البيانات في حال البناء أو الهدم أو الدمج أو التقسيم.
وسيتضمن النظام نسخة مادية ورقمية، حيث سيتم إصدار بطاقات أو لوحات تعريفية فعلية من مجمع الإصدارات المؤمنة والذكية، وتُعتبر هذه اللوحات من ممتلكات الدولة وتُثبت على العقارات. وستتولى الإدارات المحلية، بما في ذلك الإدارات البلدية وهيئات المجتمعات العمرانية الجديدة، مسؤولية تركيبها وصيانتها.
للحصول على هوية عقارية، سيتعين على المالكين دفع رسوم تسجيل لم يتم تحديدها بعد، لكن مصدر حكومي أشار إلى أنها ستكون منخفضة لتشجيع التسجيل.
يحظر تمامًا العبث أو إتلاف اللوحات، ويُلزم المخالفون بإصلاحها أو استبدالها على نفقتهم الخاصة، وقد يواجهون غرامات تتراوح بين 5,000 و30,000 جنيه مصري أو السجن لمدة تصل إلى ستة أشهر إذا ثبت تعمدهم.
كما أصبحت الهوية العقارية شرطًا أساسيًا لتسجيل العقارات في الشهر العقاري أو مكاتب التوثيق، وكذلك للتقدم بطلبات الحصول على خدمات المرافق مثل المياه والكهرباء والغاز. وستُعفى بعض العقارات ذات الطابع الأمني القومي—مثل التابعة للرئاسة، ووزارات الدفاع والداخلية، وأجهزة المخابرات—من هذا النظام.
الفوائد المتوقعة
يعد النظام الرقمي الجديد بحل العديد من المشكلات المتجذرة في السوق العقارية، مثل تضارب السجلات، وضعف التنسيق بين الجهات، ونزاعات الملكية، وصعوبة تتبع المعاملات.
ووفقًا للمذكرة التفسيرية المرفقة بالقانون، سيحاكي النظام نماذج ناجحة في الدول المتقدمة، ويُحسن من تقديم الخدمات العامة، ويُسهم في التصنيف الدقيق للعقارات، ويراقب المخالفات ويفرض اللوائح بفعالية. كما سيساعد توفر البيانات الدقيقة على التقييم العادل للضرائب العقارية وضريبة الثروة.
يمكن أن تصبح فواتير المرافق أكثر عدالة وشفافية، حيث ستُحسب الرسوم بناءً على الاستخدام الفعلي ونوع العقار. كما ستُحسن قاعدة البيانات المركزية والمحدثة باستمرار من التخطيط العمراني وربط العقارات بالخدمات الأساسية.
وتأمل الحكومة أن يُسهم النظام في تسهيل معاملات البيع والشراء وجذب مزيد من الاستثمارات، خاصة أن المواطنين سيتمكنون من تنفيذ الإجراءات العقارية إلكترونيًا، دون الحاجة إلى زيارات ميدانية أو معاملات ورقية.
فرص للاستثمار الأجنبي
قد يُحدث القانون تحولًا كبيرًا بالنسبة للمستثمرين الأجانب والمصريين بالخارج. وأوضح أسامة سعد الدين، رئيس شعبة العقارات باتحاد الصناعات المصرية، أن الشفافية التي يوفرها نظام الهوية العقارية ستجعل السوق أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، حيث سيمكن للمشتري التحقق من بيانات الملكية، والاستخدام، ووضع الترخيص، قبل إتمام الشراء.
وأشار إلى أن هذا النوع من الشفافية يُقلل من المخاطر، خاصةً في وقت يعاني فيه الطلب المحلي من ضغوط اقتصادية. كما أن المستثمرين الأجانب والمصريين المغتربين سيتمكنون من إجراء المعاملات عن بُعد عبر هواتفهم بمجرد تنفيذ القانون. وسيتولى مسوقون رقميون معتمدون تنفيذ الطلبات بعد تجاوز الفحص الأمني وإنهاء إجراءات البيع.
من جانبه، أكد أمين مسعود، أمين سر لجنة الإسكان بمجلس النواب، أن تنظيم السوق العقارية بهذا الشكل سيشجع المزيد من المستثمرين العرب والدوليين، مشيرًا إلى أن قطاع التشييد والبناء يُعد محركًا مهمًا للناتج المحلي ويجب دعمه ببنية معلوماتية قوية.
تحديات التنفيذ
رغم الإمكانيات الواعدة، فإن تنفيذ النظام سيكون مهمة ضخمة. ووفقًا لمصادر مطلعة، فإن تطبيق النظام قد يستغرق ما يصل إلى خمس سنوات بسبب العدد الهائل من العقارات وطبيعة التسجيل الطوعية.
سيتم تشكيل لجان حصر للإشراف على العملية، وقد يساعد تقسيم المناطق وتوفير المعدات الحديثة في تسريع التنفيذ، رغم أن العملية تظل معقدة.
وقال سعد الدين إن اتحاد الصناعات يطالب منذ أكثر من عامين بتشديد الرقابة على السوق، مؤكدًا أهمية الترقيم المتسلسل للوحدات العقارية الجديدة لضبط عمليات البيع ومنع الاستغلال.
الطريق إلى الأمام
يمثل إقرار قانون الهوية العقارية خطوة حاسمة في إستراتيجية الدولة لتحديث وتنظيم سوق العقارات في مصر. فمع وجود عدد هائل من العقارات غير الموثقة أو غير المسجلة، تبدو المهمة ضخمة، ولكن الإطار القانوني أصبح موجودًا أخيرًا.
سيعتمد نجاح القانون على سرعة وشفافية التنفيذ، وتجاوب الجمهور، وتوفير التمويل الكافي لتوسيع المشروع. وإذا تم تنفيذ النظام بفعالية، فقد يشكل إحدى أكبر الإصلاحات التي شهدها القطاع منذ عقود.
ومع توجه الحكومة لتعيين الجهة المسؤولة عن النظام واستكمال مكوناته الرقمية، سيتجه الأنظار إلى مدى سرعة وكفاءة تشغيل النظام، وما إذا كان سيفي بوعوده الطموحة بإصلاح القطاع وإنعاش الاستثمار.