هل جهود إزالة الكربون من العقارات كافية لإنقاذ الأرض في الوقت الحالي؟

هل جهود إزالة الكربون من العقارات كافية لإنقاذ الأرض في الوقت الحالي؟

ترجمة: عمرو حسني 

لحماية كوكبنا الذي نعيش عليه، وقعت 194 دولة على اتفاقية باريس عام 2015 بهدف تقليل متوسط ​​الزيادة في درجة الحرارة العالمية إلى أقل من 2% وخفض انبعاثات الكربون إلى صفر بحلول عام 2050، وكان هذا التوقيع قرار تاريخي لكنه ينتظر التنفيذ حاليًا بعد مرور 8 سنوات على الاتفاقية.

تستجيب الحكومات حول العالم لحالة الطوارئ المناخية عبر وضع التزمات شديدة من أجل تنفيذ رؤية صافي صفر انبعاثات بالاقتصاد خلال العقود المقبلة، اتساقًا مع الأهداف الوطنية لكل دولة.

تحتاج أهداف الاستدامة البيئية الطموحة للمدن برنامج مسبق للحد من الانبعاثات من الناتجة من المباني وإلا سيظل الأمر مجرد أمنية غير قابلة للتحقيق. وسيلعب ملاك العقارات والمستثمرين والمطورين دورًا هامًا في تنفيذ هذه الأهداف التي تضعها الحكومة، لأن المسئولية مشتركة بين جميع الأطراف، خاصة في ظل الضغط الواقع على قطاع العقارات من أجل توفير بيئة جيدة بدون أي انبعاثات.

إزالة الكربون من المدن الكبرى

هناك توقعات كبيرة بين المستثمرين العقاريين والمقيمين حول الدور الذي يجب أن تلعبه حكومات المدن لدفع الجهود المبذولة لإزالة الكربون. إذ تحتاج حكومات المدن إنشاء بنية تحتية وإيجاد أطر قانونية وحوافز لجميع أصحاب المصلحة لإزالة الكربون من المدن الكبرى.

وتتحرك نحو 32 مدينة رئيسية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك بوسطن وبرلين ودبي وهونغ كونغ ولندن وباريس، في خطوات جادة نحو إزالة الكربون والقدرة على الصمود، حيث تساهم المباني بنسبة 60% من انبعاثات الكربون العالمية.

وتسعى الدول لتحقيق الأهداف المناخية لعام 2050 التي تهدف لإزالة الكربون الناتج عن قطاع العقارات والذي سيصل إلى 80% في 30 مدينة مختلفة، وفقًا لدراسة أجرتها «جيه إل إل»، وإذا لم يتحقق هذا الهدف سيتأثر الوعي بمواجهة التغيرات المناخية بالسلب. ومن أجل التغلب على هذا التحدي، يبدو أن التعديل التحديثي حلاً معقولاً للغاية.

التعديل التحديثي لتقليل الضرر

التعديل التحديثي؛ هو عملية تعديل مبنى أو هيكل أو نظام قائم من أجل تحسين وظائفه وكفاءته أو لتلبية احتياجات جديدة. ويظهر هذا في العقارات في إدخال تحسينات في الأنظمة الميكانيكية أو الكهربائية أو أنظمة السباكة، أو إضافة العزل، أو تقوية الهيكل لتحمل الكوارث الطبيعية أو الأخطار الأخرى.

يمكن للتعديل التحديثي أن يكون أداة قوية في الجهود المبذولة لإزالة الكربون من المباني المسؤولة عن جزء كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

يتمتع مفهوم التعديل التحديثي للمباني بإمكانيات كبيرة في تعزيز كفاءة الطاقة من خلال ترقية العزل واستبدال النوافذ والأبواب، وتركيب الإضاءة والأجهزة الموفرة للطاقة، وتحسين أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء (إتش في إيه سي HVAC)، ويتم أيضًا تركيب تقنيات تلتقط وتخزن انبعاثات الكربون من المباني لتعويض الانبعاثات.

علاوةً على ذلك، يتم استخدام مواد بناء صديقة للبيئة مثل الفولاذ المعاد تدويره، أو الخشب المقطوع بشكل مستدام، أو الخرسانة منخفضة الكربون في بناء أو تجديد العقارات. ووفقًا لشركة «جيه إل إل» فإن نجاح عملية التعديل التحديثي في خفض انبعاثات الكربون بالمباني يجب أن تتجاوز 3% كل عام، وحتى الآن تصل هذه النسبة في المدن إلى 1% و2%.

الخطط في المدن المتطورة

إن المدن الرئيسية مثل لندن وباريس وبوسطن ومانشستر وتورنتو، يتعين عليها بذل مجهودًا كبيرًا من أجل إزالة الكربون في العقارات، وفي لندن وحدها يحتاج نحو 100,000 منزلًا و15,000 مكان عمل إلى التعديل التحديثي سنويًا حتى عام 2050 وسط توقعات بأن يظل 80% من المباني القائمة في المدينة دون إزالات حتى عام 2050.

أما باريس التي تأخذ المخاوف المناخية بشكل جدي، لأنها تطلب من المطورين دمج القدرة على التكيف والتنوع في تشييد المباني الجديدة، كما أنه يوجد لديها خطط لتعديل جميع المنازل بحلول عام 2050 بمعدل 40,000 منزل سنويًا.

وبحلول عام 2030، يتوقع أن تكون حوالي 30% من المساحات المكتبية في باريس قابلة للتكيف، وترتفع إلى 50% في عام 2050، وبحسب خطة عمل «باريس للمناخ» فإنه يجب على كل المشروعات الحضرية الجديدة التي تطلق من عام 2030 وما بعده، أن تكون خالية من الكربون طوال دورة حياة هذه المباني والمشروعات.

كانت مدينة بوسطن الأمريكية الأنحج في تنفيذ الالتزامات، فقد تم بالفعل بناء 80% من المباني التي ستبقى حتى عام 2050، وسيتم تطبيق التعديل التحديثي للطاقة والكهرباء على 80% من المباني في المدينة بقدوم عام 2050 من أجل تنفيذ الحياد الكربوني.

وفي مدينة مانشستر الإنجليزية، توجد خطة للتعديل التحديثي في المدينة لتنفيذ 61,000 عملية تعديل تحديثية محلية سنويًا بحلول عام 2030، وعلى الجانب الآخر، تبنت تورنتو الكندية خطة مناخية هدفها تعديل 100% من المباني حتى عام 2050.

مصر وإزالة الكربون

تسير مصر على خطى اقتصادات عالمية تعمل في الحد من تأثير القطاع على تغير المناخ، وتضم مصر حاليًا 23 مبنى حاصل على شهادة الريادة في الطاقة والتصميم البيئي الـ «LEED»، إن تقنيات البحث والتطوير سيكون لها دورًا في تنفيذ مباني صديقة للبيئة تعمل على تقليل الانبعاثات من المباني في ظل رغبة المدن الوصول إلى نسبة انبعاث صفرية.

ونفذت الحكومة المصرية إجراءات اقتصادية وبيئية حفزت الاستثمارات، وتم ضخ نحو 324 مليار دولار أمريكي لتحقيق مبادرات التنمية المستدامة لتقليل الانبعاثات وتحسين البنية التحتية. وظهرت جهود الدولة بشكل واضح في المدن الجديدة التي تؤسسها مصر حاليًا أو المدن المبنية منذ عقود ولكن أدخلت عليها الدولة عمليات الإحلال والتجديد ضمن الرؤية الموضوعة.

العيش المشترك كحل لتقليل الانبعاثات الكربونية

يٌطرح العيش المشترك كإحدى طرق إزالة الكربون من العقارات، وظهر هذا المفهوم في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي في لندن.

وتشير أحد الدراسات التي أجريت في جامعة «وستمنستر»، إلى أن العيش المشترك قادر على خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في المملكة المتحدة، حيث يتم تخفيض نسبة استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون في ظل وجود مساحات ومطابخ ومناطق مشتركة.

تقع مساحات العيش المشتركة في المناطق الحضرية، حيث إنها تتيح سهولة استخدام خيارات النقل البديلة مثل المشي أو ركوب الدراجات أو وسائل النقل العام، ويقلل هذا بدوره البصمة الكربونية المرتبطة بالنقل.

وبحسب تقرير صادر عن «Knight Frank India» ، فإن نحو 72% من جيل الألفية (الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و23 عامًا) لديهم استعداد للعيش في مساحات المشتركة.

التشريعات

كشف تقرير صادر عن معهد «جرانثام» لبحوث تغير المناخ والبيئة، أن 27 دولة في العالم شرعت قوانين وأقرتها الحكومة بشقها التشريعي، من أجل تحقيق نسبة انبعاثات صفرية للكربون، ولكن يواجه تطبيق هذه القوانين عدة قيود مثل: عدم وجود تعريفات واضحة ولوائح تنفيذية.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، أصدرت نيجيريا قانونًا لتحقيق انبعاثات صفرية بين عامي 2050 و2070، ولكن القانون لا ينص على أي شرط للشركات لتحقيق هذا الهدف.

وفي الاتحاد الأوروبي، لا تتطلب تشريعات المناخ من الشركات تقليل انبعاثاتها، على الرغم من وجود مقترح معروض على البرلمان الأوروبي يتطلب من الشركات اعتماد خططًا لضمان توافق نموذجي واستراتيجية أعمال للشركة، لتحقيق الاقتصاد المستدام للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية.

وفي إسبانيا، يفرض قانون تغير المناخ على الشركات الإبلاغ عن مخاطر المناخ، لكن لم يعرف معنى كلمة “شركة” بدقة، في الوقت الذي يحتوي قانون جارتها البرتغال على تعريف أفضل وأكثر شمولًا للشركات.

وبحسب بيانات صادرة عن منظمة«Climate Watch» ، تزداد انبعاثات الكربون العالمية في عدة بلدان منها الصين، في دلالة على أن الدول لم تأخذ أزمة المناخ حتى الآن على محمل الجد.

وختامًا، تظل هناك العديد من التوجهات والمحاولات الإيجابية من قبل الدول والمؤسسات في العالم، لكن النوايا الحسنة ليست كافية لإحداث تأثير حقيقي من أجل إنقاذ الكوكب.

تسجيل الدخول

Welcome! Login in to your account

تذكرني فقدت كلمة المرور؟

لا تملك حساب Register

فقدت كلمة السر

Register