مقدمة
كثّفت مصر خلال الأشهر الأخيرة جهودها لتعزيز مبادرة تصدير العقار باعتبارها ركيزة محورية في إستراتيجيتها للإصلاح الاقتصادي وجذب الاستثمارات. فقد عقدت وزارة الإسكان سلسلة من الاجتماعات خلال يوليو وأغسطس 2025 لمتابعة تنفيذ المبادرة، وهو ما يعكس التزام الدولة بتحويل القطاع العقاري إلى أداة رئيسية لتوليد النقد الأجنبي واستقطاب المستثمرين الدوليين. ويأتي هذا الزخم الجديد إدراكاً لمكانة القطاع العقاري في الاستراتيجية الاقتصادية الأوسع لمصر

الإطار الحكومي والسياق التشريعي
ترتبط جهود الدولة في دعم تصدير العقار ارتباطاً وثيقاً برؤية الإصلاح الاقتصادي الأوسع، الهادفة إلى تحقيق الاستقرار، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية، وضمان استدامة النمو. ومن خلال وزارة الإسكان والجهات المعنية، أُقرت لوائح جديدة لتسهيل تملك الأجانب للعقارات، وتبسيط إجراءات الاستثمار، وضمان إتمام جميع المعاملات عبر القنوات المصرفية الرسمية. وتُسهم هذه الخطوات في تعزيز الشفافية وترسيخ ثقة المستثمرين الأجانب في السوق العقارية المصرية

:التطورات الأخيرة
في 15 يوليو 2025، ترأس الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، اجتماعاً بمدينة العلمين الجديدة حول إستراتيجية تصدير العقار، ركّز على تبسيط آليات تملك الأجانب، تسريع إجراءات التسجيل، والترويج عبر القنوات الدبلوماسية. وقد جرى حتى الآن ترقيم أكثر من 18 مليون وحدة سكنية، فيما تستعد الحكومة لإطلاق منصة رقمية تجريبية في سبتمبر 2025 على أن يتم تعميمها على مستوى الجمهورية منتصف 2026
في 21 يوليو 2025، عقد وزير الإسكان الدكتور شريف الشربيني اجتماعاً مع وزارات الاتصالات والعدل وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة لتطوير منصتين: الأولى لإدارة السوق العقارية المحلية، والثانية لتسويق العقار المصري عالمياً تحت مظلة “المنصة الرسمية للعقار المصري”
في 4 أغسطس 2025، وقّعت الوزارة بروتوكول تعاون مع هيئة المجتمعات العمرانية واتحاد المهندسين العرب بمشاركة وفود من 18 دولة عربية، يهدف إلى الاستفادة من شبكة الاتحاد في الترويج الإقليمي للعقار المصري

:أهمية المبادرة للاقتصاد المصري
تشهد مؤشرات الاقتصاد المصري تعافياً ملحوظاً، حيث بلغ معدل النمو 4.77% في الربع الثالث من العام المالي 2024/2025 مقارنة بـ 2.2% فقط خلال الفترة ذاتها من العام السابق، وهو أعلى معدل نمو خلال ثلاث سنوات. ويُعزى جانب كبير من هذا الزخم إلى قطاع التشييد والعقار الذي بلغت قيمته السوقية 55.04 مليار دولار عام 2025، مع توقعات بالوصول إلى 82.34 مليار دولار بحلول 2030 بمعدل نمو سنوي قدره 8.4% من الناتج المحلي
ويُخصص في موازنة 2025/2026 استثمار عام يبلغ 1.16 تريليون جنيه يتركز على البنية التحتية والتنمية العمرانية، ما يؤكد مركزية القطاع في مستقبل الاقتصاد المصري
وتُعد صفقة رأس الحكمة التي أُبرمت في فبراير 2024 بقيمة 35 مليار دولار مع صندوق “أبوظبي القابضة” نقطة تحول تاريخية، إذ مثّلت أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر، وساهمت في رفع التدفقات الاستثمارية إلى 46.1 مليار دولار في العام المالي 2023/2024. ومن ثم، برزت مبادرة تصدير العقار كبوابة استراتيجية لاستقطاب رؤوس الأموال وتعزيز موقع مصر كمركز إقليمي للاستثمار الدولي

:الانعكاسات على المطورين العقاريين
زيادة المبيعات وتنويع الطلب: جذب شريحة أوسع من المشترين الأجانب، خاصة من الخليج والجاليات المصرية بالخارج، ممن أصبحوا يمثلون ثلث المبيعات العقارية تقريباً
تشجيع التنوع في المنتجات: دفع المطورين لتطوير مشروعات متنوعة بين الفاخرة والمتوسطة والموجهة للمغتربين، بما يعزز التنافسية ويوسّع قاعدة السوق
تحسين فرص التمويل والسيولة: إطلاق صناديق استثمار عقاري بالتعاون مع مستثمرين سعوديين وإماراتيين يفتح قنوات جديدة لرؤوس الأموال المجمعة ويمنح المطورين أدوات تمويل أكثر استقراراً
استدامة الإيرادات والتوسع العالمي: تمكّن المطورين من بناء تدفقات مالية طويلة الأجل، وتوسيع قاعدة العملاء الدوليين، وتعزيز موقع مصر كمحور إقليمي منافس في سوق العقارات

التقييم: السيناريوهات والمخاطر والمسارات المستقبلية
على الرغم من الإمكانات الكبيرة للمبادرة، إلا أن نجاحها مرهون بقدرة الحكومة على إدارة التحديات الهيكلية. ويُقدَّر العائد المستهدف بحوالي 3 مليارات دولار العملات الأجنبية، لكن هناك مخاطر قائمة

:المخاطر الرئيسة
تقلبات العملة: تكرار خفض قيمة الجنيه منذ 2022 يثير قلق المستثمرين الأجانب بشأن قيمة الأصول ما لم تُطرح أدوات تحوط أو تمويلات بالدولار
تعقيد الإجراءات التنظيمية: تداخل برامج الإقامة والترخيص وتصدير العقار قد يربك المستثمرين ويستلزم منصة موحدة أكثر وضوحاً
المنافسة الإقليمية: أسواق مثل دبي أو مشروعات كـ”نيوم” في السعودية تجذب المشترين الدوليين عبر تنظيمات أكثر مرونة وحملات تسويقية عالمية قوية

:السيناريوهات المحتمله
المتفائل: تحقيق إيرادات تفوق 3 مليارات دولار بفضل إقبال قوي من مستثمري الخليج والمغتربين، ما يعزز مكانة مصر كمحور عقاري إقليمي
المعتدل: تحقيق إيرادات بين 2–3 مليارات دولار إذا استمرت الاستقرار الاقتصادي ونجحت الدولة في إنجاز مشروعات العاصمة الإدارية والعلمين ورأس الحكمة في مواعيدها
المتشائم: تراجع العوائد إلى أقل من 2 مليار دولار نتيجة تعقيد الإجراءات أو تقلب العملة أو منافسة الأسواق الإقليمية، وهو ما يستلزم إدارة أكثر فاعلية للمخاطر

:التوصيات لتعظيم العوائد
حوافز الإقامة: منح إقامات طويلة الأجل مقابل استثمارات عقارية متعددة أو ذات قيمة عالية
تبسيط الإجراءات: إنشاء مسارات تسجيل سريعة مع خدمات متعددة اللغات لتقليل التعقيدات البيروقراطية
التسويق الدولي: إطلاق حملات متخصصة في أسواق الخليج ومراكز الجاليات بالخارج في أوروبا وأمريكا الشمالية
التركيز على الاستدامة: إبراز مشروعات مثل رأس الحكمة كمشروعات خضراء متوافقة مع معايير ESG لجذب المؤسسات الاستثمارية العالمية
آليات تمويل مبتكرة: التعاون مع البنوك المحلية والدولية لتقديم قروض عقارية بالدولار أو أدوات تمويل مهيكلة تحمي المستثمرين من مخاطر العملة

:للمطورين العقاريين
تنويع الشرائح المستهدفة: التوجه نحو مستثمرين من أوروبا وآسيا وأفريقيا بجانب العرب والمغتربين
مواكبة أنماط الحياة العالمية: إدخال تقنيات المنازل الذكية، ومساحات العمل المشتركة، ومراكز الصحة والرفاهية، والمدارس الدولية لتعزيز جاذبية المشروعات

:خاتمة
تُشكّل مبادرة تصدير العقار في مصر المدعومة بالمنصات الرقمية وحوافز الإقامة والتسويق الخارجي فرصة اقتصادية وتحولاً استراتيجياً بالغ الأهمية. فالزخم المتواصل الناتج عن الاجتماعات الحكومية رفيعة المستوى يعكس توجهاً واضحاً نحو جعل القطاع العقاري أداة جذب استثمارية ذات بعد عالمي
وإذا ما نجحت مصر في تعزيز الشفافية والكفاءة والانخراط النشط في الأسواق الدولية، فإن المبادرة لن تقتصر على توسيع الحضور العالمي للقطاع العقاري، بل ستسهم في تدفق النقد الأجنبي، خلق فرص عمل، وزيادة معدلات النمو
وبتنفيذ فعّال، يمكن لمصر أن تتحول من لاعب إقليمي في العقار إلى مُصدّر عالمي ناشئ للعقارات، يستقطب رؤوس الأموال ويستعيد ثقة المستثمرين. إنها رسالة مفتوحة للمستثمرين الدوليين الفرصة متاحة الآن، والباب مفتوح للاستثمار في مستقبل مصر